دونالد ترامب رئيس أميركا لا يحب “الدفع” بل “القبض”، و”فلسفته” السياسية في جملتها تبدو مبنيّة على هذا الجذر المالي المادي الواضح وإزاء أي شيء وكل شيء! أتعلق ذلك بحلف “الناتو” وأكلافه التي لا بدّ في رأيه من زيادة مساهمات الشركاء الأوروبيين فيها، أو بالحائط الموعود مع الحدود المكسيكية التي يرى أن على المكسيك أن تدفع أكلافه حتى لو بُني في داخل الأراضي الأميركية.. أو بتصريحاته الصاخبة عن أكلاف “حماية” الولايات المتحدة “لحلفائها”، بدءاً من شبه الجزيرة الكورية وجارتها اليابان وصولاً إلى الخليج العربي عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً..
مع أن المملكة، مثلما قال له الأمير محمد بن سلمان موجودة وقائمة قبل الولايات المتحدة الأميركية، واستمرت وتستمر لأنها محمية من أهلها وربعها وقيادتها بعد ربّ العالمين الذي اصطفاها لإنزال رسالته في ارضها المباركة.
ورئيس أميركا استطراداً ومن داخل النص، لا يقبل الابتزاز لأن فيه شبهة “الدفع”! ثم لأنه من النوع الذي يفتح معركة ويذهب بها إلى الآخر! ولأنه من النوع الذي يكره المساومات إذا لم تصبّ نتيجتها في جيبه! ولأنه فوق ذلك “مؤمن” بصوابية ما يفعل وبريادة بلاده عسكرياً واقتصادياً ومالياً، سوى أن هذه الريادة لا تعني عنده توزيع العطايا والهدايا بل تلقّيها كثمن وبيان شكر وامتنان.. على ريادتها و”تضحياتها” الحامية للوجود أينما حلّت!
ولهذا ربما إنفعل وانزعج من فكرة راودت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن إنشاء جيش أوروبي موحّد لجبه الأخطار المحتملة من جهة روسيا والصين بما يستبطن فرضية تبخيس “الناتو” أو التخلي عنه! وبما يضع الوزر كله على كتف واشنطن التي لا تستطيع تلقائياً سوى أن “تحمي” نفسها عند حدود “الأعداء” وليس عند حدودها. ومن تلك الحدود تأتي أوروبا العتيقة في الصدارة حيث التماس مع روسيا، وتليها دول جنوب شرق آسيا حيث التماس مع الصين!
.. لكن الموضوع يتعلق بإيران! وفي هذا يصحّ الافتراض والظنّ بأن ترامب فتح حرباً مباشرة على طهران بالعقوبات والحصار والإطباق السياسي التام. وكل خطوة يخطوها في هذه الحرب يجب أن تصبّ فيها وليس على هامشها. بما في ذلك إعفاء ثماني دول (من ضمنها تايوان) من التزام العقوبات النفطية لمدة ستة شهور. أولاً لمنع ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته، وهو ما لا يحبّه مستر ترامب! وثانياً لتنفيذ عقود سابقة على موعد البدء بفرض العقوبات.. أي أن الأمر لا يحتمل سوى تفسير وتقدير من قِبَل القيادة الإيرانية ولا من غيرها. ولا يشتمل على حسن نيّة بل على عكسها، أي أنه يريد إبقاء نافذة صغيرة في جدار الحصار يمكن طهران ان تطلّ منها لقبول العرض (الذي لا يمكنها رفضه في رأي ترامب) بالمجيء إلى طاولة التفاوض من أجل وضع “اتفاق جيد” بدلاً من ذلك السيئ الذي وضعه السيئ باراك أوباما!
والحرب المباشرة تعني أن إيران هي الهدف مركزياً. وكل “معركة” أكانت في سوريا أو العراق أو اليمن.. أو لبنان لا تعني شيئاً خارج سياق ذلك الهدف. أي لا يمكن طهران أن تعرض “التنازل” في تلك الجبهات مقابل وقف الحرب عليها، مثلما لا يمكنها “ابتزاز” رئيس أميركا مثلما فعلت سابقاً مع أوباما والأوروبيين، من خلال العودة إلى التصعيد فيها! أو التلويح بورقة جعل الاستقرار الأمني والسياسي في تلك الساحات – الجبهات “رهينة” في يديها لا تطلق سراحها من دون ثمن مقابل يصبّ في صالحها!
وهذا ما لا تريد إيران استيعابه أو الأخذ به، بل تراها متمسّكة بـ”قواعد الاشتباك” السابقة مع أن الطرف الآخر نقضها ويقدم الدليل تلو الدليل على ذلك النقض!
بهذا المعنى تبدو فرعية أزمة توزير “سنّة حزب الله” في لبنان، معركة إيرانية لا مردود لها في “الحرب” مع أميركا! سوى أن طهران “تجرّب” و”تحاول” ولا يضيرها العبث في ذلك.. وهي التي لم تتوقف لحظة واحدة أمام حقيقة أنها في مرحلة اندفاعها وهجومها عمّرت “نفوذها” على دمار العناوين الجغرافية والبشرية لمواقع ذلك “النفوذ”، فكيف الحال اليوم وهي في مستهل انكفائها وتراجعها واستهدافها المباشر؟!
لبنان يدفع الثمن قبل المستجدات الراهنة: دفع أيام “صعود” إيران، ويدفع أيام “نزولها”.. سوى أن ترامب الذي لا يحبّ الدفع لا يجد نفسه معنياً بتلبية أي شرط من شروط خاطف “الرهينة” اللبنانية كثمن لإطلاق سراحها!