Site icon IMLebanon

في حديقة

في حديقة بلغها مرة جبران خليل جبران سمع مسيح النصارى يحاور المسيح الناصري، وافترقا وما اتفقا، في تلك الحديقة بالذات رأيته وحيداً جالساً الى طاولة فوقها أوراق كثيرة كان يقلبها باسماً وعيناه تتطلعان الى الفضاء البعيد. وما كان لا فرحاً ولا حزيناً، لا راضياً ولا مستاء وهو يراجع تقرير علامات الجنس البشري: علامات وعيه وقدرته على استيعاب كل ما علمّ ذات يوم قبل ألفيتين على شاطىء كنعاني متوسطي.

جردة تقويم قام بها وزمن الأرض زمن حروب دينية، مذهبية، بعد ألفي عام تطور أثناءها فكر الإنسان العلمي فبلغ معرفة اﻠ DNA، الخريطة القابعة داخل كل خلية من خلايا أجساد الحياة بمختلف مظاهرها، بشرية وغير بشرية. وتحمل الخريطة تفاصيل تركيبة وبرنامج اداء الجسد الذي تنتمي اليه. كما بلغ معرفة أسرار الذرة ورقعتها الداخلية التي تختصر حكاية كون شاسع لا يحدّ أبعاده عقل… بينما ظل فكره الروحي متقوقعاً داخل طقوس وشرائع وعادات وذكريات وأعياد فرح وحزن، برمجها وقدّسها وحوّلها مواسم مآدب تلي إحتفالات معابد منقسمة كالأديان الى مذاهب، لكل مذهب معبده وكاهنه وشيخه وسيده، والنتيجة حروب مذهبية على مر التاريخ.

أغمض عينيه عارفاً ان الحرية حجر أساس في الاختبار الحياتي، وتعطي الإنسان حقاً مطلقاً في اختيار التوقيت المناسب لاستيعاب معرفة أسرار الوجود، وقد قال إنها معرفة الحق الذي يحرر. وما بلغ الوجدان البشري بعد قصد المعلم ممّا قال، فالفكر البشري في ركود بعدما اكتفى الانسان بممارسة شعائر شرائع مرّ عليها الزمن متحرراً.

ثم فتح المعلم عينيه وما في تقويمه المسيرة الإنسانية لا شماتة ولا عتب. قال : الإنسان حرّ داخل نظام كوني عادل، وطوى أوراقه وقام. سيحتفل أهل الأرض بعيد ميلادي بعد قليل، تاريخ اختاروه بعد عناء…. وأطفال بلادي في فلسطين وفي سوريا تحديداً مهددون بالموت جوعاً وبرداً بعدما قررت الأمم المتحدة عدم الإستمرار في تقديم ما يسد رمق صغار وكبار يعانون تحجر وعي شامل شرق كوكب بلا قلب وغربه. ومرّ في خياله بابا نويل، أمير المشهد الإحتفالي لعيد الميلاد، حاملاً الهدايا لبعض الصغار والكبار، ويظل كثر خارج فرح عطائه… ولا فارق بين المتخوم والجائع، فلا فرح ذاك يزهر، ولا يثمر حزن هذا.

وقبل أن يغادر تذكر انه قال يوماً: أنا والآب واحد، وأنا فيكم وأنتم فيّ. هل آن أوان استيعاب أبعاد هذا السر المعرفي الذي يحرر؟ والى متى تظل الأديان تتجاهل حقيقة وحدة وجود جامعة، ولا تأتي على ذكرها حتى لو خطرت بالبال أحياناً؟