بانتظار أن يُفصح الإسرائيليون أكثر (إذا أرادوا!) عن تفاصيل الغارة الجديدة التي شنّها طيرانهم الحربي على منشأة عسكرية أسدية – إيرانية في مصياف في ريف حماه، يمكن الركون باطمئنان أكيد الى حقيقة أنّ محور الممانعة سيستمر في اعتماد سياسة «النعامة المحسّنة»، أي التي تدفن رأسها في الرمل عند الخطر، لكنّها «تنطق» وتصدر بيانات عن تعرّضها لـِ«العدوان»، غداة هذا «العدوان»!
والغارة هي الأولى بعد المئة التي أعلنت إسرائيل أنّها شنّتها على مواقع ومرَافِق وقوافل داخل الأراضي السورية على مدى السنوات القليلة الماضية، لكنها، هذه المرّة تبدو بالفعل «غير روتينية» على ما قال أحد المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين.. والذي يُعدّ الاقتباس عنه، وعن غيره في «كيان العدو الغاشم» أحد الطقوس التي شرّعها أهل الممانعة في ديارنا، للتأكيد على رجحان منطقهم! ودقّة استنتاجاتهم! وحصافة بيانهم! ومقدار بأسهم في التصدي للصهاينة (أنفسهم) ولـ«عملائهم» بين ظهرانينا!
ليس الهدف في ذاته هو اللافت إنما التوقيت برغم التوصيف الذي أعطي لذلك الهدف لجهة كونه مركزاً مختصاً بإنتاج «أسلحة غير تقليدية». بحيث أنّ الغارة جاءت في ذروة الاستنفار والضجيج الإسرائيليين، سياسياً وديبلوماسياً وإعلامياً وميدانياً، على خلفية التطورات المسجّلة في سوريا، وبعد الكلام و«التقارير» و«التحليلات» التي توالت عن محصّلة محادثات بنيامين نتنياهو الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين!
وفي ذلك، أنّ نتنياهو «فشل» في «إقناع» بوتين بخطورة التمدّد الإيراني في سوريا! و«فشل» في انتزاع «موافقته» على لجم ذلك التمدّد أو الأخذ بـ«المخاطر الاستراتيجية» التي تهدد إسرائيل وأمنها ومصالحها، جرّاء ذلك! أو «التطنيش» عن استمرارها في استهداف ما تراه مناسباً في الداخل السوري!
وترافق ذلك وتزامن مع ضخّ إعلامي وسياسي موازٍ (وهستيري!) أفاد أنّ محادثات أجراها وفد أمني – استخباراتي إسرائيلي في واشنطن «فشلت» هي أيضاً في دقّ جرس التحذير من مآلات الوضع السوري! وكيف أنّ «إسرائيل برغم الفشل المزدوج هذا لن تبقى مكتوفة الأيدي» إزاء مخاطر إيران وتابعها «حزب الله» في سوريا ولبنان معاً!
ثم ترافق ذلك وتزامن مع أمرَين كبيرَين. الأوّل الإعلان من موسكو عن استكمال إقامة منظومة دفاع جوّي تطال «كل المجال السوري». والثاني إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن تطور العلاقات مع إيران الى مستوى «التحالف الاستراتيجي»!
وبالتالي، فإنّ استثنائية الغارة الجديدة هذه، تكمن تماماً في كونها جاءت لتدحض دفعة واحدة كل تلك القراءات والتحليلات والتنظيرات.. ولتؤكد من جديد عملياً وواقعياً أمرين آخرين: بين إسرائيل وإيران تختار روسيا إسرائيل! ومقتضيات «التحالف الاستراتيجي» (مع إيران) الذي حكى عنه لافروف، لا تسري في واقع الحال، سوى على مقاتلة الغالبية السورية وتحت ظلال الشعار الأثير الخاص بمكافحة الإرهاب!.. وبعدها لكل حادث حديث! والأمر الثاني (المخزي مجدداً ودائماً!) هو أنّ أهل الممانعة الإيرانية – الأسدية غير معنيين لا بقتال إسرائيل ولا غيرها، وإنما جلّ اهتمامهم وتركيزهم وسعيهم و«مقاومتهم» و«ممانعتهم»، مصبوب بإحكام باتجاه تلك الغالبية السورية، والمجموع العربي والإسلامي الأكثري، ونقطة في آخر السطر!
.. حتى البيان الذي أصدره «الناطق العسكري» السوري، خلا بدوره من التركيبة اللغوية (من لغو!) المعهودة عن «الاحتفاظ بحق الردّ في المكان والزمان المناسبَين».. وأكد في المقابل «العزم والتصميم على سحق الإرهاب واجتثاثه من جميع الأراضي السورية»، في حين كانت طهران تحرص على إبداء دعمها لرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون! وحزبها في لبنان يحرص على تأكيد «إنجازاته» و«انتصاراته» في سوريا من خلال تكرار دعوته الى «تصويب العلاقات» مع «الشقيقة» ومعالجة «الشوائب» فيها!
مئة غارة وغارة ونعامة واحدة.. مُحسّنة!