لم يكن المشهد العام في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة مشرّفاً، ولا يعكس الأمل بخروج وشيك من مهالك الحاضر، ولا بمستقبل زاهٍ للانسانية. وتساوى في ذلك ممثلو الدول الأعظم والعظمى، وممثلو الدول الأقل شأناً وحجماً وتأثيراً. وهذه المنظمة الدولية أنشئت في الأصل لشرعنة نظام يضمن للدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية سلطة ادارة العالم، فكان مجلس الأمن الدولي الذي يعطي للدول الخمس دائمة العضوية حق النقض في مواجهة كل دول العالم، كما أعطى لكل دولة منها حق النقض في مواجهة بعضها بعضاً كشريك في ذلك الانتصار التاريخي. أما شرعة حقوق الانسان الصادرة عن المنظمة الدولية فلم تكن سوى التغليف الأنيق والجميل لهذا الواقع المرّ والبشع! وكان ذلك هو عنوان هذا النظام الدولي مزدوج المعايير، في خطابه الانساني الذي يرتفع الى مصاف القداسة، وسياساته الكاسرة على أرض الواقع التي تفترس الأمم والشعوب الأخرى ومصالحها!
خطاب رئيس الدولة الأعظم في العالم الأميركي باراك أوباما! كان احترافياً في الشكل، وباهتاً في المضمون، ودفاعياً عن أفعال يضعها في خانة الانجازات، وما هي في الواقع إلاّ جرائم ضد الانسانية كما في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر والسودان والصومال وأصقاع أخرى من العالم. ولم يكن النظام الأممي في مضمونه سوى نسخة الكربون عن النظام الأميركي الرائد في ازدواجية المعايير. فأنشأ أول نظام ديموقراطي في التاريخ، ولكن بطانته كانت الرأسمالية المتوحشة التي حوّلت الولايات المتحدة الى ما نراها اليوم، كدولة ديموقراطية في تنظيمها وهياكلها، ولكن الدينامية التي تحرّك الحياة الديموقراطية هي كارتل الصناعات العسكرية والثقيلة، بنزعتها الامبراطورية الشرسة. وأظهر الهزيع الأخير من ولاية الرئيس أوباما، وبخاصة بعد خطابه الأخير في الأمم المتحدة، وكأن أميركا واقعة ضمناً تحت حكم خفي للعسكر والمخابرات، وله الأرجحية في تنفيذ السياسات في سوريا والعالم العربي والخارج!
أما خطاب رئيس أكبر دولة عربية المصري عبدالفتاح السيسي فقد كان صادماً، ليس فقط بالنسبة لصلابة الشعب المصري ورفضه التطبيع المذلّ مع اسرائيل على مدى عقود، وانما أيضاً لموقع مصر القيادي والتاريخي على المستوى القومي. ولم يكن من المشرف أن تكون مصر، بلسان رئيسها، هي التي تتسوّل السلام من اسرائيل الذي قدّمه لها العرب مجتمعين في القمة العربية في بيروت عام ٢٠٠٢، فهل ستستجيب الى رئيس مصري يعاني ما يعاني اليوم؟! وأما خطاب رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام فحبذا لو اقتصر على الجزء الأهم من كلمته التي تناولت النازحين السوريين والتركيز على الحلول اللبنانية المقترحة. ولم يكن من اللائق بالكرامة الوطنية ان يطلب مساعدة العالم لانتخاب رئيس جمهورية لبنان! وهي من مسؤولية اللبنانيين أنفسهم ودستورهم وقياداتهم السياسية… فهل هزلت الرئاسة في لبنان الى درجة تسوّلها من العالم؟!