يمكن للبعد الأخلاقي أن يأخذ حيّزاً استثنائياً مع حصار مضايا وتجويع أهلها.. لكنه كان ولا يزال، عند أهل الضمير، مطروحاً قبل السياسة والأمن والاستراتيجيات والمقاومات والممانعات والإمبراطوريات الموعودة.. وفوقها!
كان الأمر ولا يزال، بنداً مقيماً في رأس جدول أعمال محاجّي «حزب الله» في ذهابه إلى سوريا. وفي مناصرته طاغية مكتمل المواصفات بالتعريف البارد والناشف! وفي إشهاره حرباً لا هوادة فيها، ولا استدراكات، ضد غالبية لا شك في توصيفها، سعت وراء تصحيح خلل متمكن منها ومن حقوقها ومصالحها وحرياتها وآدميتها وثرواتها الوطنية. وفي دخوله بعد ذلك في أجندات أكبر منه، ومن إمكاناته وادعاءاته بما كشفه تماماً في الشعارات والسياسات، ووضعه خارج النص القيمي والعقيدي الذي يدّعي أنه أساس حراكه «النضالي» و»الجهادي» وجداله «الإسلامي» العام المناهض، في عرفه، لـ«تهمة» الأحادية المذهبية!
في ذلك، قيل سابقاً ويُقال مجدداً، وفي سياق مباشر ومن دون توريات واستعارات وتشبيهات، أن «حزب الله» في سوريا هو أكبر وأخطر أعداء نفسه، وبالمعنى الأكثر حساسية عنده: هو هناك مع «الظالم» وليس مع «الضحية»! ومع «الجور« وليس مع «الحق»! ومع «السيف» وليس مع «الدم»! ولا ضرورة بعد ذلك، لتفسير إضافي مسنود بالتسميات الخاصة بالأشخاص أو الأمكنة! بل يمكن في عالم الوضوح الراهن اعتماد بعض الغموض تبعاً لتبرّم أكيد من كل هذا المناخ الموبوء المخيم فوق سهول الفتنة القائمة، وفوق أدبياتها ومصطلحاتها وتوظيفاتها!
في المباشر، الممكن، أنه في سوريا «عدو» لا تعوزه إضافات بالنسبة إلى غالبية السوريين! ودعسته الناقصة هناك لا قيامة له منها طالما أنه «الأعلم» بمعنى تصدي وطنيين وأصحاب أرض، لغازٍ ومعتدٍ عليهم وعلى أرضهم من خارج! مثلما هي حاله تماماً بتاتاً، ومثلما كانت حال الإسرائيليين معه ومع جمهوره و»مقاومته» في جنوب لبنان! وهو هناك غَدَر حتى بمصلحته العارية التي يقول إنها في استمرار «المقاومة» وفي وظيفتها الخاصة بمقارعة الإسرائيليين، بحيث إنه راهن رهاناً قاتلاً على العابر وخسر الدائم والمقيم. ومهما اسودّت هذه الدنيا، فإن شيئاً لن يُعدل الميزان: بشار الأسد وسلطته وبقاياها ووظائفها وأدوارها، إلى الأفول، وشعب سوريا، ومن دون أي خلل في المصطلح، هو الباقي فيها مثلما كان على مدى التاريخ الإسلامي (على الأقل) الذي بدأ قبل 1400 عام! وذلك يعني سلفاً، وسيعني حُكماً، أن الذاكرة الجمعية للضحايا لا تُسقط الجلاد من حواشيها، مهما طال الزمن، ولن يطول الزمن!
كان في إمكانه، لو تواضع وانتبه، أن يعبر فوق هذا الفخ بهدوء وحذر. وأن يبقي السياسات العابرة دون مستوى القيم والعقيدة واستراتيجيات الوجود! وأن يهذّب أداءه بما يتناسب ويتناسق مع تركيبته وشعاراته والتزاماته النصية والأدبية والدينية.. والمذهبية المدّعاة. وأن يلعب بالتالي دور الذكي الذي يربح في الأخلاق والقيم والتاريخ وإن خسِر في الجغرافيا السياسية!
.. لكن قبل مضايا بسنوات خمس، سقطت هذه المنظومة برمّتها في الامتحان: من اعتبر أن الطفل حمزة الخطيب، كان «يستحق» التنكيل الهمجي الذي تعرّض له باعتباره «إرهابياً تكفيرياً» كبيراً وخطيراً! سهُل عليه لاحقاً، أن يعتبر ثورة كل السوريين شغل عصابات! وأن يحاصر أهل مضايا ويميتهم جوعاً!.. وأن يجعل من «حصار» إسرائيل لأهل غزة، نكتة سوداء، ليس إلاّ!!