Site icon IMLebanon

في مألوف غريب!

 

يتراخى صاحب القرار الإيراني أمام موسكو في بحر قزوين ويُقرّ بالاتفاق الذي عنى أولويتها فيه مع الدول السوفياتية السابقة المتشاطئة عليه.. وعلى حساب المصالح الإيرانية مثلما فسّر ووضّح الكاتب اللامع أمير طاهري في مقالة له نشرتها «الشرق الأوسط».

 

ويتراجع صاحب ذلك القرار أمام الإسرائيلي في سوريا.. ويعود إلى الخلف في الشمال بعيداً عن «جبهة» الجنوب واحتمالاتها!

 

ويتراجع أمام التركي في سوريا أيضاً ولا يجد حرجاً في توزيع مواقفه المتناقضة: مع أنقرة ضدّ الأكراد وفي سعيها إلى ضمان أمنها القومي في الداخلَين العراقي والسوري، وضدّها في موضوع السلطة الأسدية ومقاربتها الشاملة للقضية السورية!

 

ويتراخى أمام الأوروبيين في محاولة تعويض خسائر التفلّت الأميركي من الاتفاق النووي، والعودة إلى سيرة العقوبات! ويتعب جهده لـ«إقناع» الروس بـ«التوسّط» مع ساكن البيت الأبيض علّه يفلح في لجم سياساته العدائية إزاء إيران!

 

بل لا ينزل في بيانه الديبلوماسي (والفكري!) المحاجج ضدّ إلغاء الاتفاق النووي، تحت سقف تقريع الرئيس دونالد ترامب لأنه «بالعمق» لا يعرف أين تكمن «مصلحة» بلاده في المنطقة! ويتجاهل «الإنجازات» التي حقّقها سلفه باراك أوباما!

 

.. بل لا يترك فرصة ممكنة مباشرة وغير مباشرة في سلطنة عُمان وفي غيرها، إلاّ ويحاول انتهازها من أجل محاولة تهدئة خواطر ترامب!

 

لكنه هو ذاته صاحب القرار في طهران لا يعرف شيئاً آخر إزاء أهل «أُمَّته» الإسلامية وجيرانه العرب، غير الغلو في التصلُّب وإشهار أسباب العداء: من العراق، إلى اليمن، إلى لبنان.. إلى الإمعان في الاعتداء السياسي والإعلامي والقِيَمي على المملكة العربية السعودية تحديداً وخصوصاً!

 

يتشنّج في اليمن بدلاً من أن يتقدم خطوة تصالحية إلى الأمام! ويدفع بأتباعه الانقلابيين الحوثيين إلى التعنُّت أكثر فأكثر برغم معرفته الأكيدة أن حربهم خاسرة مهما طال المطاف. وأن انقلابهم انكسر منذ زمن. وأن أكلاف مواجهتهم مع الشرعية اليمنية ودول التحالف العربي والإسلامي هي أضعاف أضعاف أكلاف «أعدائهم»! وأن القدرة على تحمُّل الاستنزاف تعني انتحاراً لهم مقارنة بقدرات هؤلاء «الأعداء»!

 

ويدفع الاشتباك السياسي الراهن الخاص بإنتاج حكومة عراقية جديدة، إلى ذرى تأزّمية غير مسبوقة. ويتصرف من منطلق كيدي وشديد الأنانية. و«يُعاقب» رئيس الحكومة حيدر العبادي على مواقفه السيادية مباشرة بداية، ثم بالواسطة من خلال إعادة تجميع الأتباع حول نوري المالكي!

 

ويدفع بالتشنّج السياسي الخاص بجهود تشكيل الحكومة اللبنانية إلى ذراها أيضاً! إلا إذا أُريد لعموم اللبنانيين أن يصدّقوا أن «حزب الله» يتصرّف من رأسه! وأن تبنّيه (المشبوه؟!) لقصّة العلاقة المطلوبة مع بشّار الأسد، والخروج الفاضح والسافر عن التفاهم (المعطوب أصلاً) على مبدأ النأي بالنفس، والعودة إلى المسّ التحاملي والافترائي على السعودية بالإعلام والسياسة، واللقاء المُعلن مع الجماعة الحوثية في الضاحية الجنوبية.. إن هذا كله مقطوع عن سياقه الإيراني!

 

توزيع صور اللقاء مع الحوثيين هو القصّة وليس اللقاء في ذاته! طالما أن الجميع يعرف أن هؤلاء موجودون عند «حزب الله» حرفياً، سياسة وإعلاماً وتنظيماً. وأن «حزب الله» موجود عندهم حرفياً تدريباً ورعاية و«استشارة».. وصاروخياً!

 

واللغو المتشنّج بقصّة العلاقة مع الأسد لا يخرج عن هذا السياق. طالما أن تلك العلاقة لا تحتاج إلى أي شروحات وإضافات لا بالنسبة إلى «حزب الله»! ولا بالنسبة إلى «الشقّ الرسمي» المعروف، لا على المستوى «الديبلوماسي» (المدّعى!) ولا على مستوى الزيارات الوزارية والحزبية! ولا على مستوى التنسيق الأمني وغير الأمني!

 

إيران في المحصّلة تتابع سيرتها المألوفة والمعروفة: تشتبك بالواسطة مع الأميركيين (أو تحاول ذلك) لكنها تسعى إلى تفاهم مُباشِر معهم! وأينما تجد نفسها في موقع الأضعف تتراجع وتتنازل (من قزوين إلى سوريا إلى أوروبا) لكنها لا تعرف شيئاً من ذلك «التواضع» حيال جيرانها العرب وأهل «أُمّتها» الإسلامية!

 

.. وعلى الهامش: تحت سقف هذه السياسة الإيرانية العامة يتسلّل بشار الأسد إلى المشهد اللبناني من أبواب واطئة أداءً وسلوكاً وأسماء.. ويعود نوري المالكي إلى المشهد العراقي!