Site icon IMLebanon

في محنة مستدامة

 

ما قيل سابقاً من باب المماحكة والهزل، يكاد أن يصير حقيقياً وواقعياً: جماعة الممانعة في لبنان تحديداً، وعبر أبواقها الرنّانة في الإعلام والسياسة، تضع نفسها في زاوية استلحاقية إلى حدّ أن “صاحب الزاوية” نفسه يكاد أن يضجّ من وطأة ثقل هؤلاء الأتباع! ومن كثافة تماهيهم مع يقينيات ملتبسة! ومع ركائز متحرّكة! ومع بديهيات متقلقلة! ومع ثوابت متغيّرة!

 

حتى لو رضى رئيس سوريا السابق بشار الأسد مثلاً (حتى لو!!) بشيء تسووي فرعي لا بدّ منه في رأيه لإكمال المذبحة وإتمام التدمير، فإن حواشيه وهوامشه وملحقيه وأتباعه والسكارى بفرادته و”ممانعته” و”دقة” أحكامه، عندنا في لبنان، سيجدون في تلك التكتكة نقصاً لا يجوز! ولا يليق بالمقام والمرام! ويذهبون، تبرّعاً، إلى التحليل والتعليل من باب أنهم الأدرى والأعلم والأعرف! ثم من باب النصح تارة والمزايدة تارة أخرى!

 

غير أن قصّتهم مع إيران أوضح وأكثر دقّة. حيث أنهم في الاستلحاق الزبائني يُظهرون همّة طوباوية لا يُظهرها كثر من الإيرانيين أنفسهم! ويدبّجون مطوّلات ورؤى تستند إلى مسلّمات افتراضية في عُرفهم، لكنها ليست كذلك في عُرف روّاد كبار داخل النظام وليس من خارجه! أي أنهم في التوصيف “العلمي” المتناسق مع الحالة الذهنية لهؤلاء الأتباع المحليين (اللبنانيين) يصطفّون في الجانب (الإيراني) المحافظ ضدّ الجانب الإصلاحي، حتى لو ضمّ هذا الجانب (مثلاً!) رئيس جمهورية حالي وآخر سابق! أو واحد من روّاد “الثورة” الأوائل مثل الراحل الشيخ هاشمي رفسنجاني! أو مخضرمين ثقال في السياسة والدين!

 

أي أنهم “يعرفون” عن “مصلحة” إيران أكثر مما يعرفه وزير خارجيتها الحالي! أو رئيس برلمانها! أو آخرون في مراكز صنع القرار فيها! و”يعرفون” عن شروط وضرورات هذا الموقف الخارجي أو ذاك أكثر بكثير من هؤلاء وغيرهم من أصحاب الشأن والدراية!

 

.. واستطراداً إلى المقام العراقي، يكاد هؤلاء يدبّون الصوت حتى في وجه قاسم سليماني نفسه! باعتبار أنّه تأخّر كثيراً في اكتشاف “عمالة” رئيس الوزراء حيدر العبادي! وارتضى السكوت عن مناورات هذا “المدسوس” في مركز القرار الآيلة إلى تخريب “الروح الثورية” الملتهبة في وجه المتآمرين المحليين والإقليميين والدوليين! والعمل الدؤوب من داخل النظام على تحطيم الانجازات العظيمة لدولة “الولي الفقيه”! وتحفير الطرق التي تسلكها لإتمام رفعة العراق! وعزّة “الأمة” من أولها إلى آخرها!

 

بل أن أهل البصرة أنفسهم، الذين زاغوا وشطّوا وراحوا إلى التخريب والتدمير والعبث، إنما فعلوا ذلك تنفيذاً لأجندة واضحة، وضعها عتاة التآمر على محور الأمجاد والفتوحات والانتصارات والإلهيات! والدليل على ذلك، هو أنهم “لا يملكون” أي دافع مطلبي محقّ! ولا في أي شأن أو قطاع. لا مطلبي خدماتي حياتي ولا سياسي ولا أمني! بل هم، أهل البصرة هؤلاء أغواهم الشيطان وأخرجهم من جنّة أتباع المرشد الأعلى، ثم ترَكَهم في العراء يجترّون الندم، ويلعنون ساعة الغواية الشريرة تلك!

 

.. والأرجح (بإذن الله!) أن هؤلاء الذين في نواحينا وبيننا وحولنا، لن “يسكتوا” عن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي! الذي عاد وطلّ برأسه من باب النصح والإرشاد، محذّراً من سقوط النظام في طهران إذا لم يقم بالإصلاحات المطلوبة في كل شأن قائم! وكأنه “يعرف” أكثر منهم “مصلحة” إيران والنظام “والثورة”؟! أو يملك أكثر مما يملكون، من معطيات ووقائع وحقائق وأرقام عن الداخل الإيراني وناسه وأوضاعه وماليته واقتصاده واجتماعه؟!

 

بل أن هؤلاء يقفون على مسافة متر واحد من الوصول إلى “المرشد” نفسه! لأنه يأخذ وقته ويتروّى في توجيه “الضربة القاضية” للأعداء! من السعودية إلى كل أهل الخليج العربي وصولاً إلى الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل! وتراهم يتردّدون في الجهر فقط لأنهم يتهيّبون المقام! ولولا ذلك لذهبوا في مسلكهم إلى الآخر، وبيّنوا علناً الطريق الصحّ “الواجب” إتّباعه! والطريقة المثلى المطلوب سلوكها من أجل إتمام الانتصار الماحق والأخير على المتآمرين والمتخاذلين والعملاء والصهاينة والأميركيين والأوروبيين والأتراك والعرب أجمعين.. بل على معظم الإيرانيين أنفسهم!!

 

محنة العقل، أن هؤلاء يتصرّفون كالعقلاء، ويتّهمون غيرهم بما فيهم تحديداً!

 

علي نون