Site icon IMLebanon

في العبادي «العراقي»

 

لم يخرج رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن البديهيّات واليقينيّات والمسؤوليّات و«الضميريّات» عندما أعلن التزام بغداد العقوبات الأميركية على إيران، وخصوصاً منها ما يتعلق بالشق المالي والتبادلات البنكية.

 

أي تماماً مثلما فعلت وستفعل معظم دول العالم الحريصة على أوضاعها وأحوال ماليّتها العامة ومصالحها الاقتصادية وارتباطاتها بالأسواق العالمية، وبالأميركيين الذين لا يُجَادل شخص طبيعي، أكان في سدّة المسؤولية العامّة، أو عاملاً في القطاع الخاص بأنهم في موقع الريادة والتحكّم والقدرة على «معاقبة» كل مَن يخرق العقوبات أيّاً كانت هويّته ودولته ووظيفته وشركته!

 

لكن قيادة طهران لم يعجبها ذلك! وباشرت فوراً ردّاً عقابياً مزدوجاً: ألغت زيارة كانت مُقرّرة للعبادي إليها. وأطلقت ضده حملة إعلامية وسياسية متآلفة مع أدائها العادي، اشتملت على اتهامه بـ«الانهزام» أمام الأميركيين! وعدم «تلاؤمه مع الروح العراقية التي قدّمت بطولات كبيرة ضد الإرهاب».. الخ!

 

لم يقدّم صاحب الشأن الإيراني هنا، شيئاً خارجاً عن السردية العامة التي يعتنقها ويتصرف استناداً إليها والقائلة في أساسها وفروعها إنّ العراق جزء من مراكز النفوذ قبل أن يكون «دولة» و«مستقلة» وقائمة في ذاتها، وتتصرف وفقاً لمصالحها ومصالح ناسها.. ووظيفة هذا الكيان المُلحق، استناداً إلى هذا المنطق، هي «حماية» إيران وليس التحامل عليها! وهو في هذا، مثله مثل سوريا، واليمن (الحوثي) ولبنان (حزب الله) «مطلوب» منه أن يكون جرماً تابعاً يدور في الفلك الإيراني وليس في فلكه الطبيعي، أتعلّق هذا القياس بالوطنية الخالصة أو بالمحيط الإقليمي العربي.

 

والمنطق الإيراني لا تعوزه «الدقّة»! باعتبار أن النفوذ المبني في تلك الدول – الأمثلة على الازدواجية الكاسرة للسلطة الشرعية من خلال البنيان العسكري والتنظيمي ثم السياسي، والمستند إلى أبعاد مذهبية تارة وعقيدية تارة أخرى.. هذا النفوذ يُفترَض حكماً أن يشمل كل شأن بما فيه مثلاً «التضحية المالية» بالذات الوطنية خدمة لإيران! طالما أن ما هو أكبر من ذلك وأخطر قد حصل فعلاً! وسال الدم مدراراً وعمّ الخراب وشاع في معارك وحروب خيضت على وقع المصالح الإيرانية ولأجلها!

 

وصاحب الشأن الإيراني لم يخفِ في كل حال، فوقيّته إزاء أتباعه وأخصامه على حدٍّ سواء! بل جاهر مراراً وتكراراً، بأنه صاحب القرار في العواصم الأربع المنكوبة! بل لا شيء يقرّر فيها وفي غيرها من دون رضى طهران! مثلما جاهَرَ مراراً وتكراراً، بما هو أكثر عندما عرض رؤيته القائلة بأن الحرائق في محيط إيران هي درع نارية تحميها في الداخل تارة وتثبّت محوريّتها وقطبيّتها تارة أخرى!

 

إيران بهذا المعنى، تأخذ على العبادي «قلّة استيعابه» لمعنى النفوذ الإيراني في بغداد! وعودته إلى لغة وطنية لم تعد مسموعة في ظل صيرورة العراق برمّته مجرّد ملحق لا سيادة له خارج الإرادة الإيرانية! مثلما تأخذ عليه شططه في تفسير أسباب «انهزامه» أمام الأميركيين وردّ ذلك إلى الجذر المصلحي العراقي، فيما الأصح أن يقرّ ويذعن بأن ذلك الجذر يُفترض أن يخدم إيران أولاً وليس العراق أوّلاً!

 

.. المهم أن لا تتطور «معاقبة» العبادي باتجاهات أخرى غير إلغاء زيارته لطهران ومهاجمته إعلامياً وسياسياً.. كأن يُصار فجأة الى «اكتشاف» بؤر«داعشية» في بغداد وغيرها! وأن ترتكب هذه البؤر جرائم كبيرة، تُعيد في المحصّلة تصويب النقاش.. باتجاه «محاربة الإرهاب».. بدلاً من «الانهزام» أمام الأميركيين من خلال التزام عقوباتهم ضد طهران؟!