IMLebanon

في «دقّة» الأداء!

لم يعد هناك شيء مفاجئ في سلوك إيران وأدواتها، بل العكس صحيح، إذا حصل! وفي رأس ذلك الذهاب الى النهايات منذ البدايات واعتماد لغة قطعية لا تترك خلفها شيئاً تتزوّد به في طريق عودتها وعودة أصحابها من ذلك التيه الى التسوية!

من يتابع ردود أفعالها على «عاصفة الحزم» يفترض بداية، ان عموم العرب والمسلمين هم الذين يفتكون بها وبناسها، ويعتدون على أرضها وكيانها، وليس العكس! وهم الذين يتدخلون في شؤونها الخاصة ويؤلّبون أقواماً على أقوام فيها، ويأخذون من أزماتها فرصاً للانقضاض عليها، ومن تعبها منصّة لبناء النفوذ وادّعاء القوة.. وليس العكس!

ومن يتابع ذلك التهوّر الاعلامي والسياسي يتأكد فعلياً، ان ايران كانت ولا تزال أسيرة طبعها الغلوائي، وطغيان صوتها على عقلها وانفعالها على حلمها، مثلما يطغى طموحها على قدراتها وتذاكيها على ذكائها وهوائيتها على هواها.. ودائماً لديها تلك الازدواجية البدائية التي لا يعرف سوى ربّ العالمين، ما اذا كانت هي نفسها، تصدّق فعلاً، أنها ناجحة في تخبئة حقائقها وستر غاياتها ونياتها!

تكفي نظرة سريعة لمسارها الحديث بعد ثورتها، للتأكّد من مقومات ذلك الخلل الخطير في ادائها وأحكامها ومنطقها وممارساتها. وفي شأنين محددين وكبيرين. الأول يتصل بحرب الخليج الأولى مع العراق. والثاني بالمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة والدول الكبرى:

مليون قتيل عراقي وايراني قضوا في تلك الحرب (مليون!!) وجُرِحَ عدد يوازي ثلاثة أضعاف ذلك الرقم. وسُجّلت خسائر مادية مهولة، كان يكفي جزء منها لإعمار عشر دول نامية بالتمام والكمال.. وبقيت ايران على مدى ثماني سنوات تعاند وتتوعّد صدام وربعه بالسحق والمحق والانتصار الإلهي التام والكامل والشامل. الى ان هبط الوحي فجأة وتوقف هدير الحرب وصمتت المدافع وأطفأ ماء المنطق (والعجز) النار المشتعلة في الرؤوس «الثورية» الحامية، وكأن شيئاً لم يكن!

.. بل وصل الأمر الى حد ان ايران هذه، صارت بعد اجتياح صدام للكويت هي الملجأ المفضّل للممتلكات العراقية القيّمة خشية تدميرها في الحرب. من الطائرات على انواعها، الى المسروقات، الى كل ما خفّ وزنه وغلا ثمنه!

ولم يتوقف واحد أحد، لا في ايران ولا في محورها الممتد الى نواحينا، ليسأل سؤالاً واحداً عن فحوى تلك العبقرية المدّعاة عند حائك السجاد! أو عن ذلك البلاء الاسطوري الذي جرى على مدى ثماني سنوات؟ أو عن اسباب استمراره؟ أو عن الشعارات التي رُفعت فيه، أو عن الأهداف التي لم يتحقق منها شيء.. وألف ألف سؤال مماثل، لكن كلمة واحدة لم تُقل. لا في صيغة سؤال ولا في صيغة جواب!

.. ثم جاءت المفاوضات النووية. وهذه في دلالاتها تقدّم مثالاً أشد نصاعة ولمعاناً من المثال الأول، عن فحوى الاداء الايراني ومبالغاته «ودقّة» أحكامه وحساباته: 35 عاماً و»الثورة» قائمة قاعدة على شعار واحد هو «الموت لأمريكا»! وعلى فتوى دينية تحرّم التفاوض مع «الشيطان الأكبر»! تراث متراكم يوازي وسعه وسع بحر قزوين، من الأدبيات والسياسات والارتكابات والممارسات و»الارهابات»، سُفك على مدى تلك السنوات على مذبح ذلك الشعار وتلك الفتوى.. ثم فجأة «اكتشفت» ايران ان ذلك الشيطان ملاك مموّه! وان نظرة واحدة فاحصة وأكثر دقّة كانت كافية لتوصلها الى الضرورة «الحتمية» لطلب الرجاء من ذلك الملاك!

السيرة تطول ولا تليق بعجالة يومية، لكن لبّها واضح ولا يحتاج الى كثير شرح واستطراد: أداء محكوم بالتطرف والغلو والشطط لم يولّد إلا الكوارث لها ولجيرانها. وهو ذاته، الذي ضَمُرَ وانكشف مع صدام والاميركيين، لا يزال يحكم ويتحكم بها وبقادتها في المحنة الراهنة من اليمن الى سوريا.

.. لن يطول الزمن، قبل ان نرى عكس ذلك الأداء، ومن دون سؤال ولا جواب!