Site icon IMLebanon

في عفرين وضحاياها..

 

هناك «ضحايا» من غير الأكراد للحملة التركية على عفرين السورية، أولهم بشار الأسد. وثانيهم إدارة دونالد ترامب. وثالثهم (لمن يشاء) إيران وامتداداتها وأتباعها المرصوصون تحت لواء «الممانعة» والذين أثبتوا على مدى السنوات الماضية أنّهم لا «يمانعون» في واقع الأمر، إلاّ من يتحدّى نفوذهم السلطوي بغضّ النظر عن هويّته!

 

فعل «الممانعة» في وجه إسرائيل (مثلاً!) مُعلّق على طرف الحيط ومشبوك بخيط مثل صورة عتيقة، أو قول «مأثور» من غابر الزمان ويدلّ على شيء أفل وغاب في النسيان.. ومن دواعي «الاحترام» والدلالة على الذاكرة النشطة، أن يبقى في مكانه، تعبيراً عن نوستالجيا ليس إلاّ!

 

دخل الأتراك في معركة عفرين لحساباتهم الخاصة المتصلة بأمنهم القومي. وهذا سبق له أن أدخلهم إلى «أماكن» جيوسياسية غير مسبوقة في تاريخهم الحديث. كأن ينفصلوا (مرحلياً!؟) عن الاستراتيجية الأميركية وأداتها الميدانية الدولية المسماة «حلف الناتو». وأن يذهبوا إلى شراء صواريخ «أس-400» من روسيا وهي الدولة الأم لـِ«الاتحاد السوفياتي» الذي ظلّت تركيا طوال عقود الحرب الباردة، خطّ التماس الأول معه، في موازاة خط ثانٍ شكّلته إيران أيام الشاه الراحل.

 

و.. ثمّ أن يذهبوا على هامش ذلك، إلى استدراك الدفع نحو مواجهة الجيران الروس بسبب الجيران السوريين. وإلى تبديد الخلافات الأصلية الخاصة بالموقف من بشّار الأسد، والطارئة المتأتّية عن إسقاط طائرة «السوخوي» في أواخر العام 2015، وصولاً إلى إنتاج مساحة مشتركة للتلاقي عليها. وهذه على ضرورتها وغرابتها وتعقيداتها، وكونها مصدراً للإحراج (لأنقرة أولاً) دلّت من جديد، على أنّ مصالح الدول والشؤون المتصلة باستقرارها القومي (الأمني والمعيشي) هي بديهيات لا تُناقش ولا تُجادَل، وناشفة وباردة، ولا مكان فيها للشعر واللسانيات والإنسانيات والأدبيات اللغوية والعاداتية المأثورة في نواحينا!

 

غيّرت أنقرة مقاربتها السورية العامة تحت وطأة العامل الروسي وموجبات أمنها القومي.. ثمّ غيّرت ذلك التغيير(!) تبعاً لموقف أميركي غريب ارتأى أن يأخذ من الأكراد أكثر مما يعطيهم. ولم يتوقف، لا كثيراً ولا قليلاً أمام هواجس المعنيين الإقليميين بتنشيطهم «أكثر من اللازم». لكن المفارقة التي ولّدتها معركة عفرين، هي أنّ الموقف التركي المشترك مع بقايا السلطة الأسدية وإيران من المسألة الكردية، والذي أكمل ظواهر التقارب مع الروس، تحوّل الآن ليكون مصدر عودة إلى المربّع الأول: الأسد يولول ويبربر بالسيادة! وطهران مكتفية بالتفرّج السلبي المحكوم بالحرج: لا تُمانع في ضرب (أو مواصلة ضرب) أي جموح كردي جغرافي أو سياسي، لكنّها في الوقت نفسه تعرف أن التمدّد التركي في الشمال السوري سيضع حدّاً لطموحاتها هي وتابعها الأسد، لإكمال الحرب «حتى استعادة كل شبر» من الأرض، على ما تلهج به ماكينة التخريف «الممانعة» بدءاً من قاعدتها الميدانية في دمشق!

 

أَخْرَسَ الروس اعتراض الأسد. وخرجت أنباء تقول أنّهم «حذّروه» من مغبّة الاشتباك مع الأتراك! وفي البال، أن معركة عفرين تشكّل بالنسبة إليهم معادلة كسب مزدوج: تلجم الاستطراد الإيراني – الأسدي باتجاه «الحسم العسكري» من جهة، وتضرب الحسابات الأميركية (المستندة إلى الكرد!) ميدانياً من جهة ثانية. عدا عن كونها بطبيعة الحال، تثبّت التنسيق المفتوح مع أنقرة، وتؤكد «الاحترام» المتبادل لمصالح الطرفين في سوريا، وغيرها!

 

.. والمشهد في مجمله يؤكد الاستنتاج، بأن الذئاب الناهشة بالجسم السوري، لا تقيم وزناً أو حساباً لتلك الفزّاعة الخشبية في «قصر المهاجرين»، بل تنظر من زواياها المتفرقة إلى الخلاصة ذاتها التي وصلت إليها صحيفة «قانون» الإيرانية.. وأيّ خلاصة!!