لن يكون ما بعد المناظرة الأولى بين المرشحين للرئاسة الأميركية، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، مختلفاً كثيراً عما قبلها. ومن الآن والى حين حلول موعد الاستحقاق في تشرين الثاني / نوفمبر المقبل، ستجري مياه كثيرة في النهر تحت جسر الرئاسة الأميركية. والملاحظة الجوهرية هي ان المستوى القيادي وألمعية الفكر والشخصية، بدأ بالانحدار، ويتبع خطاً تنازلياً ابتداء من الرئيس السابق جورج دبليو بوش، ووصولاً الى هذين المرشحين الحصريين للرئاسة الأميركية، وكل منهما صاحب شخصية مثيرة للجدل، وليس فيها ما يبهر. وقد لا يشكّل وصول أي منهما تهديداً مصيريا للولايات المتحدة والعالم معاً، في هذه الحقبة من الزمن والتاريخ، والخطر الحقيقي في استمرار انحدار المستوى في العهد الجديد والعهود المقبلة…
الرؤساء المتعاقبون في البيت الأبيض متغيّرون، ولكن الاستراتيجية الأميركية في العالم ثابتة على مرّ السنين والعقود، ولا تتغيّر إلاّ بعد تحقيق أهدافها. ولهذه الاستراتيجية ربّ يحميها ممثلاً بالعسكر والمخابرات، في دور مشابه لما كان يقوم به العسكر في تركيا لحماية النظام العلماني في بلد غالبيته من المسلمين، وذلك قبل بروز القيادي الاسلامي الأخواني، رجب طيب أردوغان على المسرح واحتكار كل الأضواء لاحقاً! وعنوان الاستراتيجية الأميركية الدائمة هو استنزاف الخصم ومحاصرته واضعافه، قبل الانقضاض عليه وازالته عن الخريطة، كما حصل مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، واسقاطه كامبراطورية، وكإديولوجية معاً…
الاستراتيجية الأميركية تعمل لدنياها وكأنها تعيش أبداً، وتضمّ ثلاثة عناوين كبرى في مرحلة ما بعد الانهيار السوفياتي وهي: الصين وروسيا، والعمل على منع تحوّل كل منهما الى امبراطورية مستقبلية لها امتداداتها في العالم، ومن شأنها منافسة وحدانية القطب الدولي الممثل بالولايات المتحدة الأميركية. أما العنوان الثالث فهو الاسلام كإيديولوجية لها انتشار عالمي ويحمل في طيّاته تهديداً مصيرياً لأميركا كامبراطورية وكإيديولوجية رأسمالية معاً. وأياً يكن الساكن الجديد في البيت الابيض – هيلاري أو دونالد – فانه لن يحيد مقدار شعرة عن متابعة بنود هذه الأهداف تحت الرقابة اليقظة لحارس الامبراطورية الأميركية، أي الكارتل العسكري – الصناعي الأميركي.
أياً يكن الساكن الجديد في البيت الأبيض، فلا تنتظر هذه المنطقة سوى المزيد من الشرور والأخطار لتفتيت الأنظمة والدول ككيانات قائمة، وتفتيت الاسلام كإيديولوجية، بأيدي الخارجين من الاسلام وعليه، أي من التكفيريين المسلحين بالارهاب المتوحّش… ولا بدّ أن تظهر في يوم ما، معالم وارهاصات ادراك عربي لهذه الوقائع يقود الى مراجعة واعادة نظر بالسياسات، وذلك تحت ضغط الخسائر الخرافية اللاحقة بهم من جراء التبعية للسياسة الأميركية…