حجم “العملية الإرهابية” في الأحواز يبرّر لقادة إيران إطلاق ذلك الكمّ من التهديدات والتوعّدات ضد منفّذيها! واستخدام مصطلحات في ذلك آتية من مخزون التضخيم المألوف في البنيان الثقافي الفارسي العام. ثم من غلواء ذاتي فائض عن حده يضع التعرّض للأمن الإيراني في خانة الكبائر والفظاعات التي لا يمكن “التساهل” إزاءها!
وفي خلاصة وزبدة هذه المناحة ما يشير إلى أن قادة إيران يستهجنون التعرّض لأمنهم القومي لكنهم يستسهلون تعريض أمن الآخرين وأمانهم واستقرارهم وقيمهم لكل خطر ممكن! ولكل استهداف تخريبي! بل وتُعطى لذلك أوصاف وهويات ذات طنين ورنين كبيرَين وخلاّبين! ثم يُوضع “المسعى” في جملته في خانة إنجازات ثمينة تتراكم فوق بعضها البعض لبناء نفوذ الدولة القطبية والمحورية التي “لا يتقرر شيء” في المنطقة برمّتها، من دون موافقتها ورضاها، على ما قال مرّة الرئيس حسن روحاني بنفسه!
ولم تترك طهران طرفاً “ممكناً” ولا غير ممكن إلا وأدرجته في لائحة الاتهام بالمسؤولية عن ما حصل في الأحواز، عارضة (من دون قصد!) لائحة المتضررين من سياساتها الخارجية على مدى العقدين الماضيين بتقطّع والعقد الأخير بتواصل.. وهؤلاء في ظاهر الأمر وباطنه درجات وأنواع. بعضهم مثل الجانب العربي الخليجي لم يترك طريقة إلاّ واعتمدها وجرّبها بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية من أجل “رأب الصدع” مع الإيرانيين. وفتح صفحة جديدة على قاعدة المصالح المتبادلة التي تحفظ مبدئياً لكل صاحب حق حقّه! لكن طهران لم ترضَ بالمساواة! ولم تعقلن طموحاتها! ولم تخفِ نزوعها الخارجي ولا غاياتها من ذلك النزوع بل ركبت رأسها وقرّرت أن الإقامة في كتب التاريخ ومحاولة استعادته أفضل وأَولى من الإقامة في عالم اليوم وحقائقه وحدوده وشروطه ومتطلباته!
ومع ذلك، لم يطرح الجانب العربي أجندة موازية. لم يردّ على الإرهاب بالإرهاب! ولا على التدخل في شؤونه الذاتية والخاصة بتدخّل مماثل! ولم يُرسل “ميليشياته” ولا “مستشاريه” ولا “خلاياه” النائمة أو المستيقظة إلى دواخل البنى الإيرانية لـِ”المساعدة في تحريرها” ورفع الاستضعاف عنها!
وبعض هؤلاء المعروفين في لائحة الاتهام الإيرانية مثل الإسرائيليين أو الأميركيين لا يخفون عداوتهم، لكنهم أيضاً لا يخفون اعتمادهم طرق الحرب الناعمة إزاء إيران – الداخل لإجبارها على تغيير سلوكها إزاءهم على افتراض أن ذلك السلوك يهدّدهم جدّياً! ويتعرّض لمصالحهم الكبرى والاستراتيجية بأخطار “مصيرية”! مع أن حاصل جمع كل ما يحصل في المنطقة العربية والإسلامية لم يخدم أحداً بقدر ما خدم ويخدم مصالح هؤلاء تحديداً وخصوصاً!
وكأن تكبير الحصى المرميّة على الخارج يُراد منه حجب الحجر الكبير الموجود في الداخل! أكان لجهة الغبن والتمييز اللذين يشعر بهما نحو ستة ملايين عربي أحوازي.. أو لجهة بقاء “القضية الكردية” على حالها مع “الثورة الإسلامية” مثلما كانت مع نظام الشاه السابق، أو لجهة الأداء الخارجي العام الذي أوجَدَ مناخات خارجية سرعان ما ارتدّت على الداخل بحيث أنّ التعرّض المتكرّر للبعثات الديبلوماسية في طهران (مثلاً) جعل من حرق القنصلية الإيرانية في البصرة أمراً تلقائياً أو عادياً! مثلما أن التورّط في بناء قوى مسلّحة موازية للقوى النظامية والشرعية في أكثر من دولة عربية وإسلامية، والانخراط في “حوادث” ذات طابع إرهابي محض في المنطقة وخارجها، جعل ويجعل من التجرّؤ على استهداف عرض عسكري رسمي في الأحواز، أو مقر البرلمان في طهران، أمراً وارداً وشبه عادي!
صدمة القادة الإيرانيين تُظهر وكأنّ ما حصل في الأحواز مقطوع الصلة بالمناخات والعوالم والمصائب والنكبات و”الحوارات” الناشطة في كل ركن ومقام! وهذا سوء تقدير لا يتناسب مع إدانة الإرهاب بالمطلق! ولا يبرّر الاستمرار في إشاعة سياسات فتنوية تدفع أثمانها كل شعوب المنطقة وأقوامها من دون استثناء!