دو ميستورا في حلب والحل خطوة.. خطوة..!!
بعد أشهر من تكليف الدبلوماسي الدولي دو ميستورا كمبعوث للأمم المتحدة لإيجاد تسوية للأزمة السورية خلفاً للمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، اقترح رؤية جديدة لحل الأزمة السورية الأمنية – السياسية المستمرة منذ أربع سنوات، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 200 ألف قتيل وما يعادل هذا الرقم مفقودين ومسجونين، وحوالى 10 مليون مهجر في الداخل والخارج.
وتعتمد خطة دو ميستورا أسلوب إخماد النيران السورية تدريجياً وخطوة خطوة، على ان تبدأ بتجميد القتال في مدينة حلب، ودو ميستورا اتخذ من مدينة حلب منطلقاً لخطته لادراكه مدى أهمية هذه المدينة سياسياً واعلامياً، فهو يرى ان النجاح في مدينة حلب من الممكن ان ينعكس إيجاباً على بقية المناطق.
ودو ميستورا لتسويق خطته جال على الجهات المعنية أولاً وفي مقدمهم النظام السوري والمعارضة السورية، حيث التقى مسؤولين من النظام في دمشق، ومن ثم التقى قيادة الائتلاف السوري في غازي عنتاب في تركيا.
كما التقي يوم الأحد الماضي وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عارضاً عليهم العناوين الرئيسية لخطته.
اشترط الاعتماد الأوروبي لنجاح خطة «تجميد القتال في حلب» ضرورة ان تنفذ الخطة باشراف مراقبين دوليين، وأن يكونوا تابعين للأمم المتحدة، وضمن مهمات مجلس الأمن.
فالاتحاد الأوروبي عمل بمقولة «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، فالحذر واجب كي لا يُعيد النظام ما فعله في أماكن أخرى، وخصوصاً في حمص القديمة عندما استغل ما حصل فيها لتعزيز الحصار على بقية احياء حمص ومنها حيّ الوعر، حيث عمل على تجويع القاطنين في هذه الاحياء، ومن ثم تعمد قصفهم بالصواريخ والبراميل المتفجرة.
وتُشير المعلومات ان تركيا أجرت اتصالات مع فرنسا وبقية الدول الأوروبية من أجل استبدال «خطة حلب» بإنشاء مناطق عازلة داخل الأراضي السورية بعمق 30 كلم، أو ان تتوسع خطة حلب لتشمل ريفها، وعندما أصرّ دو ميستورا على البدء بحلب فقط اقترح الأوروبيون ان يكون تنفيذ الخطة تحت اشراف المراقبين الدوليين، كما اشترطوا عدم سعي النظام بعدها إلى نقل امدادات وقوات من حلب لفرض الحصار على مناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة، واشترطوا أيضاً لإلزام الرئيس بشار الأسد ان يكون الغطاء مجلس الأمن وبقرار دولي يلتزم به أيضاً حلفاء الأسد، أي روسيا وإيران.
بدورها المعارضة لم تعط جواباً ايجابياً لدو ميستورا إلا بعد تقديم الخطة مكتوبة ليصار إلى مناقشتها مع القيادات الميدانية.
وكذلك فعل النظام السوري، الذي رفض مناقشة الخطة مع الخبراء العسكريين إلا بعد دراستها ومناقشتها داخل المؤسسات السياسية والعسكرية.
الملفت في خطة دو ميستورا الهادفة إلى تبريد الجبهات الساخنة عسكرياً بصورة تدريجية، انه عمل على تقليد وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر عندما عمل على فض الاشتباك على الجبهة المصرية – الإسرائيلية عبر أسلوب الحل «خطوة خطوة»، ومن ثم الانتقال إلى الحل السياسي تدريجياً ايضاً.
ويبدو ان دو ميستورا درس تجربة سلفه الأخضر الإبراهيمي الذي عجز عن تحقيق أية مكاسب في مؤتمر «جنيف 2»، وبسبب تعنت النظام الذي سعى إلى متغيرات على الأرض ليستخدمها في المفاوضات لاحقاً في «جنيف 3»، فدو ميستورا يسعى عبر خطته الجديدة التي تجاهلت كلياً «جنيف 1 و2» المقر بتوافق دولي، إلى إلغاء استخدام الإنجازات أو المتغيّرات على الأرض في الحل السياسي، فهو يعتقد ان الرهان على المتغيّرات التي يمكن أن تنتج عن الأعمال العسكرية عملية لن تنتهي وغير محددة بأفق زمني، نظراً لعجز أحد الطرفين (النظام والمعارضة) عن تحقيق نصر عسكري حاسم.
خطة دو ميستورا من الصعب ان يحصل توافق دولي حولها نظراً لحسابات الربح والخسارة التي يقوم بها الأطراف الاقليميون والدوليون وكذلك المحليون بصورة مستمرة.
كلما مر الزمن على الأزمة السورية تعقيدات الحل السياسي تتزايد، خاصة في ظل استمرار الرهان على المتغيّرات على الأرض ما زال قائما بقوة لدى كل من النظام والمعارضة، ولاصرار كل فريق من القوى المحلية والإقليمية والدولية، المشاركون في اشتباك «عض الاصابع» القائم، ولرؤيتهم انه لم يحن بعد الأوان لاطلاق صرخة «أخ» من أي من طرفي الاصطفاف، على جبهة ابعادها إقليمية ودولية وليست محلية فقط.
رؤية دو ميستورا محدودة أو مستهلكة، ولو كانت مفيدة لكان سلكها الإبراهيمي البارع، ولو كان زمن الحل السياسي قد اقترب كان غيرك.. اشطر وسلك ما أنت عازم عليه.