Site icon IMLebanon

في أخبار سيئة!

 

 

لا تسرّ خاطر طهران الأنباء الواردة من قريب وبعيد.. لا من جهة الإدارة الأميركية على لسان المندوبة الدائمة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، ولا من جهة العراق على لسان المرجع الديني الأعلى للشيعة العراقيين آية الله علي السيستاني.

 

والربط في مكانه حتى وإن اختلفت التفاصيل. باعتبار أن العنوان المقصود واحد، هو السياسة الإيرانية الخارجية الجامحة جموح الباحث عن أدوار أكبر من حجمه! وعن نفوذ أكبر من إدّعاءاته! وعن تمكّن يتوسّل كل شيء، إلاّ الأطر الشرعية الحاكمة للعلاقات الدولية، والأعراف المعمول بها بين البشر، والقوانين التي تنظّم “السير” الجمعي والشخصي! وتشكّل في جملتها الفارق الأساس والجوهري عن “شريعة الغابة”!

 

ومعضلة طهران في الحالة العراقية، إن أمكن الزعم، تلك (مرّة أخرى) أكبر من تلك الخاصة بالسياسة الأميركية، وأعقد وأشدّ وطأة عليها.. بحيث أن المرجع الديني الأعلى من نوعه في الجانب العربي، لا يترك مناسبة أو فرصة إلاّ ويأخذ بناصيتها لتأكيد تمايزه (والكلمة مخفّفة!) عن السياسة الإيرانية القائمة والمعتمدة في بلاد الرافدين بداية (؟) وفي عموم المنطقة تتمة! مثلما لا يتردّد في إشهار مواقف و”فتاوى” تتعارض مع تلك الآتية من جهة طهران! ويعرف أن “صوته” المرجعي والتوجيهي والسياسي مسموع بين العراقيين، أكثر من أصوات الإيرانيين وملحقاتهم! وأن دوره كـ”مرشد” غير مُعلن مقيم في النجف، أكبر من دور “المرشد” المعلن المقيم في طهران، بالنسبة إلى العراق وشؤونه..

 

موقفه من ازدواجية السلاح ليس جديداً. وفتواه التي أنتجت “الحشد الشعبي” فرضتها الأخطار التي تولّدت عن “داعش”. وعندما انتفت تلك الأخطار بانتفاء مسببيها إنتفت أيضاً الحاجة إلى السلاح خارج أطر النظام والدولة، وبكل وضوح ممكن!

 

وفي هذا ذروة الرفض للمبدأ الماسّي الذي تعتمده إيران في سعيها خارج حدودها، والقائم على استنساخ تجربة “الحرس الثوري” في موازاة الجيش النظامي.. سوى أن المثال المذكور يسري في ظل “نظام” المرشد الإيراني ويكتسب “شرعية” تلقائية في بلاده. لكنه في بلاد الآخرين ومراكز “النفوذ” المبتغى أو المدّعى لا يعني سوى ازدواجية تضادية بين الشرعية والشارع. وفتكاً بمفهوم الدولة لصالح مشروع الدويلة. وكسراً للدساتير القائلة بحصرية امتلاك القوى العسكرية والأسلاك الأمنية الشرعية للسلاح ومهام الدفاع عن الحدود وحفظ الأمن الداخلي.

 

وفي الحالة العراقية هذه، لا يمكن الراعي الإيراني أو العامل تحت لوائه وبيرقه أن يهدّد “بقطع اليد التي تمتد إلى هذا السلاح”! ولا إتهام أصحاب مشروع الدولة بالعمالة للخارج! أو الانخراط في أجندة تآمرية على أهل الممانعة والمقاومة.. إلاّ (مجدّداً!!) إذا ارتأى الآخذون بمبدأ “ولاية الفقيه” ان كل معارض لذلك، هو على خطأ حتى لو كان من وزن آية الله السيستاني في العراق اليوم! والراحلان الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله في لبنان بالأمس!

 

وهذه معضلة لإيران، أكبر وأخطر من معضلتها (المستجدّة!) مع الإدارة الأميركية الراهنة، أو مع أهل السُنَّة والشعوب المبتلية بطموحاتها الامبراطورية..

 

ما عرضته المندوبة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة من إتهامات لإيران هو جزء من مدوّنة أداء الإدارة الراهنة حتى قبل “وصولها” إلى البيت الأبيض.. لكن الجديد فيها، هو تقديم أدلّة تثبت ما أعلنته السعودية منذ اللحظات الأولى، من أن “صواريخ الحوثيين” هي في الحقيقة صواريخ إيرانية التصنيع (أو النسخ!) والتوجيه والإطلاق.. وأن ذلك يُضاف إلى الملفّ المثقل لطهران الذي يستدعي تأطير الجهود الاقليمية والدولية لـ”معالجته” خصوصاً وأن في أوراقه السميكة ما يتّصل برعاية الإرهاب.

 

المشكلة هي أن إيران تُتهم لكن غيرها (ومن ضمنهم ضحاياها!) يئنّون ويدفعون الأثمان الباهظة. فهل ستتغيّر هذه المعادلة الظالمة؟.. صعب الجزم!