ليس أمراً قليلاً انعقاد قمّة إقليمية أو دولية في أي بلد.. بل هو أمر كبير وخطير ويدلّ على إيجابيات ومكرمات وعطايات يُعتدّ بها وخصوصاً لجهة الصيت الحسن المتأتي عن الثقة الغالية بالبلد المضيف وبقدرته على استقبال وتنظيم مناسبة فخمة وعلى مستوى القمة..
وهذا شأن يصير أكثر أهمية بالنسبة إلى بلد مثل لبنان.. مفطور على الأزمات ومعتاد عليها! ولا تخرج منه سوى أخبار كئيبة! وحجم الضخّ السلبي المحلي المُصدّر إلى الخارج منفوخ بطريقة عجيبة وبهمّة أهله أولاً! ومأخوذ بالتضخيم والمبالغات وصولاً إلى تصويره وكأنه خربة تامّة مهجورة وموبوءة ولا شيء فيه يدلّ على سويته للعيش.. العادي والبسيط والطبيعي!
.. وهناك بالتأكيد شيء من ذلك كله، لكنه ليس كل شيء! والواضح الفاضح هو أن الخارج المعني بالمجيء إلى لبنان لعقد قمّة فيه يعرف البئر وغطاها! ويبدو أكثر ثقة بالبلد من أهله: يعرف مثلاً أنه مأسور بطغيان القدرة الإيرانية على تعطيله سياسياً ومؤسساتياً (ودستورياً) لكنه يعرف في موازاة ذلك أن لتلك القدرة حدوداً لا يجوز لمناهضيها الركون دونها! أو التسليم بها! أو اعتبارها حاسمة! أو قادرة على التحكّم مركزياً بالجميع بالقدر نفسه الذي تتحكم به بالجماعة التابعة لها!
ويعرف (ذلك الخارج) أن المؤسسات الدستورية مُصابة بالعرج لكنها ليست مُقعدة ولا كسيحة! وأن وضعها سيّئ لكنها تشتغل وتعمل بقدر المستطاع.. وهذا يعني أنها لا تزال تعبّر عن سلطة الدولة ووجودها ودورها ورعايتها وشؤون أهلها! ويعرف أيضاً الأخطر من ذلك: أن “الأمن” مُصاب بنتوءات ازدواجية خطيرة ولا يجوز التقليل من شأنها، وأن “حزب الله” حاضر وفاعل ومنتشر “وقادر”! لكنه يعرف في موازاة ذلك أن الأجهزة والأسلاك العسكرية والأمنية الرسمية فاعلة وحاضرة وناشطة وقادرة وأن الميزان في الخلاصة، يميل لمصلحة الثقة بتلك الفاعلية والحضور والنشاط والقدرة، وأن هذه في جملتها كافية لضمان مجيء قادة عرب إلى بيروت للاجتماع فيها!
وتجنباً للشطط والاستطراد غير المأنوس، يُقال سلفاً إن الأمن في مبدئّيته قرار سياسي قبل أن يكون حضوراً مباشراً على الأرض بالعسكر والسلاح.. وإذا كان “القرار” متخذاً بالتخريب، تكفي مجموعة صغيرة غير مرئية وملتبسة العنوان وإرهابية الشكل كي تبلّغ “الرسالة”!
ويعرف الخارج العربي والإقليمي والدولي أن البنى التحتية والفوقية في لبنان ليست مثالية لكنها مؤهلة لاستقبال قمّة مصحوبة بمواكبة إعلامية مكثفة ومجهّزة بالكشافات الضوئية الكافية.. وإن مواضيع النقّ اللبنانية المستدامة الخاصة بـ”التفاصيل” اليومية، مثل النفايات والكهرباء وعجقة السير وسائر القطاعات الخدماتية ليست على ذلك التهتك والتلف اللذين يحولان لوجستياً دون تلك القمّة.
بهذا المعنى البرّاني والشكلي تكتسب القمة الاقتصادية أهمية مُضاعفة بالنسبة إلى لبنان.. فهي في يومين إثنين تغطّي إعلامياً ومعنوياً (ونفسياً!) على مطوّلات طويلة العمر كادت أن تنجح في تصوير لبنان كله على أنه دولة فاشلة وتقارب وصف “الكرنتينا” الذي أسبغه عليه وزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج شولتز في منتصف ثمانينات القرن الماضي!
القمّة نعمة.. حتى لو تأجّلت على ما يتوقع البعض! وانعقادها أو الاعلان عن ذلك الانعقاد، يعني في أدنى الحسابات، أن بيروت لا تزال عروسة العرب وإن كانت متشّحة بسواد ما! وإن هويّتها وطابعها وثقافتها وريادتها ومدنيّتها وجمالها وسحرها أعصى وأقوى من أن تقدر عليها محاولات قولبتها وتغييرها من أي جهة أتت!