بعد الجولة الثانية من الانتخابات البلدية في أقضية محافظة جبل لبنان، أظهرت نسب الاقتراع أنّ المواطنين اتعظوا من نسبة الاقتراع المتدنية خلال الجولة الانتخابية الأولى، خصوصاً في بيروت، فـ»أصوات النق» لا تُحتسب في صناديق الاقتراع. كما لا يُمكن الإغفال عن أنّ صورة معركة جبل لبنان حيث الثقل المسيحي تختلف عن البقاع وبيروت. وفي كلّ معركة انتخابية يتميّز قضاء المتن، القضاء الأكبر والأكثر تنوعاً.
في قريتَي بيت شباب وبعبدات وسط المتن الشمالي، ارتأى الناخبون أن يصوّتوا وفاءً. فجدّد اهالي بيت شباب الثقة في رئيس البلدية الياس الأشقر تعبيراً عن وفائهم لما قدّمه للبلدة، وفي بعبدات اختار الأهالي لائحة «لـبعبدات» الوفاقية الائتلافية ورفضوا التغيير المتفرّد غير المبني على أسس.
الوفاء في بيت شباب
إنحصرت المعركة الانتخابية في بيت شباب، الشاوية، القنيطرة بين لائحة «الوفاء والإخلاص» التي يترأسها الياس الأشقر، ولائحة «الشبابية» غير المكتملة التي ترأستها ميريم جبر. ومن ضمن نحو الـ7600 ناخب اقترع نحو 3000 لمجلس بلدي مؤلّف من 15 عضواً.
لم تعكّر المعركة الانتخابية صفو الهدوء الذي تتميّز به قرية القرميد والأجراس. وخلال الجولة الصباحية لـ«الجمهورية» على مراكز الاقتراع، تبيّن وكأنّ المعركة محسومة، فغالبية الأهالي يردّدون أنّ «عمو الياس بَي الكلّ»، وكان واضحاً كم هي ناشطة ماكينة لائحة «الوفاء والإخلاص»، إن من حيث عدد عناصرها وإن من حيث تنقلاتهم على مراكز الاقتراع. وفي حين خَلت جدران طرق بيت شباب من صوَر المرشحين، ظهرَ على زجاج السيارات الخلفي مُلصق مكتوب عليه عبارة «أصدقاء الياس الأشقر».
وعلى رغم محافظة المجلس البلدي في بيت شباب على نظافة البلدة وإنمائها، وعلى رغم الإنجازات التي حققها، قالت المحامية ميريم جبر لـ«الجمهورية»، أنّ «المنطقة مُهملة من كل النواحي، ولائحتنا تقدّم برنامجاً إنمائياً لكي نعيد لبيت شباب دورها».
وعند سؤالها كيف يتمّ ذلك ولا ينقص بيت شباب الإنماء على حد قول الأهالي، تجيب: «نريد الإنماء من النواحي الثقافية، التربوية، الحرفية، التراثية والسياحية»، متوقعةً الفوز، ومؤكدةً أنه «حان وقت التغيير».
يجلس رئيس البلدية الياس الأشقر في مكتبه في مدرسته التي لا تغلق باب العلم أمام أيٍّ من أبناء بيت شباب، يجلس مرتاحاً حاسماً النتيجة، ويقول لـ«الجمهورية»: «يتكلّمون بالعموميات لأنه لا يوجد أي نقاط سلبية يواجهوننا بها، فنحن أعطينا البلدة كل ما يلزم وما زلنا مستمرين بإنجاز المشاريع»، معتبراً أنّ من يريد التغيير «يغيّر للأفضل وليس للأسوأ».
على خطّ بعبدات
على خطّ وسط المتن الشمالي شهدت بعبدات معركة عائلية إنمائية مطعّمة سياسياً، فتواجهت لائحتان في ظلّ جو ديموقراطي هادئ، على 12 مقعداً بلدياً، الأولى لائحة «لـبعبدات» التي يترأسها الدكتور هشام لبكي والمدعومة من رئيس الجمهورية السابق اميل لحود، وعضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب سليم سلهب، والمحافظ عماد لبكي، وحزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» والعائلات، وفي المقابل لائحة «بعبدات الغد» التي ترأسها مخايل لبكي، والمدعومة من «التيار الوطني الحر» والقاضي نصري لحود.
في بعبدات كانت نسبة الاقتراع مرتفعة منذ الصباح، وظهر ذلك من الزحمة الخانقة من مدخل النفق المؤدي إلى ساحة بعبدات وصولاً إلى مبنى البلدية، حيث مركز الاقتراع الوحيد الذي يضمّ 4 أقلام. ففي بعبدات 2177 ناخباً يقترع منهم نحو 1200 لمجلس بلدي يتألّف من 12 عضواً، وقد اقترع منهم 450 لغاية الساعة الحادية عشرة صباحاً، وعند الساعة الثالثة بعد الظهر وصل عدد المقترعين إلى 800.
عناصر الماكينة الانتخابية لكلّ من اللائحتين تجمّعوا على مدخل المركز الذي عجّ بالأهالي وسط جوّ ديموقراطي بامتياز، ولم تشهد بعبدات معركة إختيارية حيث فاز المختار الوحيد في البلدة بالتزكية.
التفرّد العوني المناطقي
بعد الأشرفية وعدد من المناطق الأخرى لم ينحصر التشرذم «العوني» داخل «التيار الوطني الحر»، بل تمدّد إلى تكتل «التغيير والإصلاح»، ففي حين يُمثَّل النائب سليم سلهب في لائحة «لـبعبدات»، دعمت منسقية «التيار» في بعبدات لائحة «بعبدات الغد».
وعن هذا الانقسام، يقول منسّق التيار في بعبدات نقولا عجوج لـ»الجمهورية»: «التيار الوطني الحر يدعم الدكتور مخايل لبكي وتمّ الطلب من الحزبيين التصويت للائحته، فنحن منذ العام 2004 نناضل كتيار لكي نتمثّل في المجلس البلدي في بعبدات، وبعدما كان التمثيل محصوراً بالنائب سلهب الذي كان يُمثَّل في البلدية، وعلى رغم افتخارنا به، رأينا هذه المرة أنه يجب أن يتمثّل التيار بمناصريه وحزبييه وطلبنا مقعد نائب الرئيس ولم يتم التوافق على ذلك، فاخترنا المعركة».
حتى تحالف «القوات-التيار» الجديد لم يُترجم في بعبدات، وفي هذا الإطار يوضح عجوج: «القاعدة القواتية بغالبيتها معنا، كون الاستاذ مخايل لبكي كان محامي الدكتور جعجع خلال فترة سجنه».
أمّا رئيس لائحة «لـبعبدات» د. هشام لبكي، فقال لـ«الجمهورية»: «لائحتنا تضمّ معظم العائلات والأحزاب وفعاليات المنطقة، فهي مدعومة من الرئيس السابق اميل لحود، النائب سليم سلهب، السيدة عبلة نسيب لحود، الكتائب و»القوات»، وتحظى بدعم معنوي من الرئيس ميشال المر».
وأشار إلى أنّ «النائب سلهب حاول أن يوافق بين «التيار» و«القوات» ولم ينجح». واعتبر أنه «من الطبيعي أن ينتقدونا، فكل شخص يعمل في الشأن العام يُنتقد، ولكننا أنجزنا وسنكمل الإنجاز»، لافتاً إلى أنه كان «عضواً في المجلس البلدي السابق وأنّ الدكتور نبيل سلهب رئيس البلدية السابق مرشح ضمن لائحته لمقعد نائب رئيس البلدية».
تمرّد منسقيات «التيار»
عن خروج «التيار» في بعبدات عن التوافق، قال النائب سليم سلهب: «لديهم معطيات تقول انه من الأنسب لهم أن يكونوا ضدنا، ولم نستطع التفاوض معهم لنعرف ماذا يريدون».
وأكّد لـ«الجمهورية»: «بناءً لطلب تكتل «التغيير والإصلاح» بالتوافق وعدم إقصاء أي فئة موجودة في بعبدات، عملتُ على التوافق وحاولتُ جمع «القوات» والكتائب و«التيار» وكل الفئات في لائحة واحدة، ونجحتُ بذلك مع الجميع إلّا مع القسم العوني في بعبدات». وأشار إلى أنّ رفض التوافق «مقتصر على منسقية «التيار» في بعبدات فقط وليس على صعيد قيادة التيار أو المنطقة ككلّ».
ولدى سؤاله: بعد هذا التنافس في الانتخابات البلدية، ما هو مصير التحالف في الانتخابات النيابية؟ قال سلهب: «لا أعلم لغاية الآن ما هي المشكلة ولماذا اتخذت منسقية «التيار» في بعبدات هذا القرار، ولقد وعدتني قيادة «التيار» بأن تبحث المشكلة بعد الانتخابات، وعندها تتّضِح الصورة ونرى إن كان التحالف سيستمرّ أم سينقطع مع التيار».
مثلما أفرزت هذه الانتخابات تحالفات جديدة، أظهرت أيضاً تشرذمات كبيرة بين أحلاف قديمة وداخل بعض الأحزاب والتيارات، خصوصاً «التيار الوطني الحر»، الذي في مقابل ربحه جزءاً من «القواتيين»، خسر انتخابياً الكثير من مناصريه ومسؤوليه. فهل ستكون نتيجة جردة الحساب داخل «التيار» بعد الانتخابات ضبط إيقاعه وتوحيده، أم أنّ حزب «التيار» سيفرز أحزاب «تيارات»؟