IMLebanon

في «التغيير» الروسي؟

 

بغضّ النظر عن مقدار الدقّة في نقل الموقف الروسي إزاء الوضع السوري وحقيقة الصيغ التي يتردد الحديث عنها بكثرة لمحاولة تحقيق معجزة الحل السلمي لها، فإن الواضح إجمالاً هو أن التسليم بانتهاء حكم بشار الاسد صار فوق الانقسامات المعلومة، بل نقطة إجماع بين منقسمين.

وهذا أمر ليس قليلاً ولا بسيطاً. ويدلّ على سريان شيء من المنطق العاقل بعد نحو 4 سنوات من الجنون الفالت والمستحيل، باعتبار أن لموسكو وطهران قدرة على منع انتصار الثورة (بسرعة) لكنهما أعجز، كما تبيّن، من أن يدفعا الأسد إلى الانتصار، والوضع السوري إلى الاستكانة والعودة إلى الوراء.. وأعجز في الإجمال، من بث روح في جثة سياسية أيّاً يكن حجم الأوكسجين الذي يُضخّ فيها.

.. ثم إن الدول عموماً ليست جمعيات خيرية، إنما كيانات تحركها المصالح قبل الشعارات. وتقيس خطواتها تبعاً لميزان لا تُلحظ فيه صنوف الشعر والأدب ولا مطوّلات البلاغة، بل العكس تماماً: يُوظّف كل شيء وأي شيء، من القذيفة والبندقية والطائرة والصاروخ إلى الشعار والشعر وكيس الطحين لخدمة تلك المصالح. وعندما يختلّ الميزان ويصبح الاستنزاف طابشاً على كفة الاستثمار والربح، يعود التاجر الشاطر إلى الوراء، ويعيد بهدوء مراجعة حساباته.. حتى لو بقي صوته ملعلعاً في السوق على مداه.

وبشار الأسد جعل سوريا بضاعة معروضة في سوق ظالمة وباردة وجافة. ولا صوت فيها يعلو فوق المقايضات والمزايدات.. ولا همّ عند التاجرين الروسي والإيراني ولا عند نظيرهما الأميركي، أن يسري منطق البيع والشراء على حساب دمار ذلك البلد الكبير حجراً وبشراً. ولا أن تسجّل فيه فظاعات ونكبات لم يحصل مثيل لها سوى في عصور الانحطاط وقرون الظلمات الأولى والوسطى.

والغريب أن ما يُقال عن الموقف الروسي متناقض تبعاً لناقله وقائله: بعض ممانع يقول إن موسكو تبحث عن تسوية ائتلافية تُبقي الأسد في موقع القرار في الشؤون الخارجية والعسكرية والأمنية، وبعضٌ غير ممانع (أي سائر خلق الله) يقول إنها وصلت إلى «قناعة» مفادها: غياب الأسد، لكن مع بقاء النظام مُعدّلاً بما يستقيم ويتناسق ويتناسب مع الوقائع الديموغرافية السورية والمستجدات التي ولّدتها الثورة.

وفي الحالتين، هناك تلمّس لتغيير كبير في الموقف. وهذا بدوره لا يمكن أن يكون جدّياً ومنطقياً من دون تغيير كبير (ومماثل) في موقف طهران، حتى وإن بدا الأمر وكأنه من سابع المستحيلات تبعاً للمنطق المتحكّم بأصحاب القرار الإيراني. وتبعاً للنشوة التي يبديها هؤلاء، لأن «حدود» بلادهم و»ثورتهم» تمدّدت من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط!

4 سنوات للتسليم بانتهاء حكم الأسد.. كم سيطول الوقت قبل طي الصفحة؟!