كبّر الروس حجرهم السوري حتى صار صعباً عليهم حمله ورميه باتجاه الآخرين.. فعادوا الى تفتيته الى حصى متفرقة! بحيث يبدو أمر تصعيد وتيرة دعمهم العسكري لبقايا السلطة الاسدية وكأنه تصعيد لتحضيراتهم إزاء المرحلة المقبلة التي يفترض كثيرون ان عنوانها سيكون استمرار تراجع حليفهم، وصولاً الى الشمال! اكثر من كونه تدعيماً لخطوطه الدفاعية في قلعته الدمشقية!
وإلا، ماذا يعني ميدانياً ان تتركز الحركة الروسية في ذلك الشمال السوري؟ وان يجري تحضير الارض لتنمية المطار العسكري في «جبلة»، والعمل على شيء مماثل في مرفأ طرطوس وبناء قاعدة لوجستية لايواء «الخبراء» و»التقنيين» و»المستشارين» في تلك المنطقة؟
أليس طبيعياً وبديهياً أكثر، ان تترجم موسكو مواقفها التصعيدية المتمسكة بالاسد (قبل التوضيحات الجديدة!) من خلال رفع مستوى قدراته القتالية في دمشق ومحيطها؟ الا يعني ذلك، ان موسكو تقدم ما يكفي من اشارات ميدانية الى الوضع الميؤوس منه لبقايا سلطته حيث هي الآن؟ وانها غير مستعدة لتقاتل دفاعاً عنه مثلما تفعل بالسياسة والديبلوماسية والاعلام؟ مثلما انها في الاساس تلتزم حدوداً لاستفزازاتها للاميركيين والاطلسيين، وتعرف كيف تفرق بين المناورات والمواجهات؟
ما جرى في الساعات الثماني والاربعين الماضية في موسكو غير طبيعي وغير معقول: رئاسة الاركان تصدر بياناً مساء الاربعاء تنفي فيه نيتها بناء قاعدة عسكرية في شمال سوريا. ثم تلحق بها الخارجية بعد ظهر الخميس ببيان اشمل «توضح» فيه حرفياً «انها (اي موسكو) لا تدعم نظام الرئيس بشار الاسد لكنها تسعى الى حماية الدولة السورية».. مع انه، قبل اربعة ايام فقط دخل فلاديمير بوتين شخصياً على المشهد وحكى كلاماً كبيراً زبدته «التمسك بالاسد ونظامه» وباعتبار ان «جيشه» هو القوة الوحيدة على الارض المؤهلة لقتال الارهاب! وان روسيا لن تبخل بدعمه بالسلاح الحديث والمتطور.
الانطباع المباشر الذي تولّده هذه الحركة المتناقضة، هو ان موسكو تخفف عسكرياً وديبلوماسياً من حدة مواقف رئيسها بوتين، وتظهره في المحصلة وكأنه «نرفوز» وعصبي، ويحكي كلاماً كبيراً لا يجب أخذه كله على محمل الجد!
ذلك كله، على اي حال، يذكّر بما قاله وزير الخارجية سيرغي لافروف في آب 2013، بعد ان ظهر ان الاميركيين يتجهون حُكماً الى ضرب الاسد غداة جريمة الكيماوي في الغوطة.. وما قاله يومها، قيل شيء مشابه له من ايران نفسها «روسيا لن تقاتل دفاعاً عن أحد»!
في «التحليل الاخير» يتبين مجدداً، ان موسكو «تلعب» في سوريا تحت السقف الاميركي وليس فوقه.. والباقي تفاصيل لتسلية ابطال الممانعة عندنا، لا اكثر!