الجانب الآخر من الصورة السورية – التركية – الأميركية – الروسية الراهنة، هي أنّ الأتراك طلبوا وألحّوا في الطلب من إدارة (السيّئ الذكر دائماً وأبداً) باراك أوباما سحب المقاتلين الكرد من مدينة منبج.. وقبلها طلبوا وألحّوا في الطلب من تلك الإدارة الموافقة على إقامة مناطق آمنة تسمح ببقاء النازحين في حدود بلدهم وتمنع استمرار المذبحة على وتيرتها الهستيرية وتؤمّن موطئ قدَم للجماعات المعارضة البعيدة عن التوصيف الإرهابي.
.. وإن ذلك في جملته، لم يجِد، أيّ آذان صاغية عند ساكن البيت الأبيض (سابقاً). ولم يحرّك فيه عصباّ واحداً. لا بالمعنى الإنساني، ولا بالمعنى السياسي العميق والاستراتيجي المتّصل حُكماً بالأمن القومي لدول الجوار السوري ومصالحها العليا والضرورات التي تفرضها هذه للمحافظة على استقرارها بكل عناوينه.. ولا حتى بالمعنى الأوروبي العام لجهة تدارك تدفّق اللجوء البشري إلى دول القارّة العجوز بطريقة غير مسبوقة في تاريخها الحديث!
.. وإن ذلك أفضى إلى كوارث كثيرة ونكبات متناسلة وخضّات هزّت المجتمعات السياسية والأهلية الأوروبية. وصَعَّد من هيجان الهويات الذاتية مثلما صَعَّد من الاستثمار المجزي في الإرهاب، ومن تنامي الغرور عند أصحاب المشروع الإيراني، وصيرورة الروس (المعاقَبين!) حاجة ماسّة في الميدان السوري! وصولاً إلى شدّ الأتراك رحالهم شرقاً بعد أن يئسوا من الدقّ والنقر على الأبواب المقفلة غرباً.
والنتائج العامة الراهنة هي في زبدتها ومصلِها وليدة ذلك الأداء الأوبامي أساساً.. برغم أنّ مجيء دونالد ترامب عدّل ويعدّل في بعض المناحي المهمة فيه. وخصوصاً لجهة الإضاءة الاستثنائية على الأدوار الإيرانية في سوريا وعموم المنطقة والضرورة القصوى للجمها وردّها على أعقابها. لكن غير ذلك، وتحديداً إزاء الأتراك وهواجسهم وحساباتهم، لا يزال في مكانه، على ما يبدو، بل تطوّر ميدانياً وإن تراخى سياسياً وإعلامياً.
أي إن الإدارة الأميركية تعتمد سياسة إيرانية جديدة لكنها تفصلها عن مجمل الوضع السوري العام! وتستمر في اعتماد التكتيكات الأوبامية القديمة حتى لو إدّعت العكس! ومن ذلك تحميل الأكراد فوق طاقتهم. وزجّهم في أدوار أثقل من قدرتهم على تحمّلها.. ثم التفرّج على استعار النار بينهم وبين الأتراك!
تقول خلاصات المنطق ووشوشات الثقات العارفين (وغير العارفين!) أن واشنطن كان يمكنها ولا يزال يمكنها، إطفاء نيران عفرين قبل أن تندلع وبعد أن اندلعت! وإطفاء نيران منبج قبل أن تصل إليها! وتهدئة خواطر الأتراك برغم انفعالها الشديد! وتأمين سياستها الإيرانية بطريقة أذكى من التي تتّبعها راهناً. أي من خلال إعادة تجميع القوى التي قاتلت الإرهاب والحلف الأسدي – الإيراني معاً. والفصل بين الكرد وسقوفهم العالية. ووضع خط فاصل بين حقّهم في الأمن (الحكم الذاتي في سوريا كما حالهم في العراق!)، وبين تمدّدهم المستحيل والمكلف باتجاه الجوار التركي إقليمياً، والمكوّن العربي الأكثري السوري داخلياً.. خصوصاً أنّ شمّاعة محاربة الإرهاب استنفدت جلّ طاقاتها على الحمل والوزن!
لا يريدُ الأميركيون الاشتباك المباشر مع الإيرانيين لا في سوريا ولا في غيرها.. (وكذا الحال عند الإيرانيين أيضاً!) ولا يبدو أنّ إسرائيل وصلت إلى نقطة الحرب الشاملة (وإلا لذهب نتنياهو إلى واشنطن وليس إلى موسكو!).. وفي موازاة ذلك لا حلّ سياسياً، لا في سوتشي ولا في جنيف ولا في غيرهما، وبالتالي ليس منطقياً السماح بتصاعد الاستنزاف التركي – الكردي. ولا الاستمرار في تجاهل الضرورة التامّة لإعادة إنعاش المعارضة السورية «الشرعية» ودعم «الجيش الحر». ولا مواصلة نهج أوباما الملتبس والسلبي إزاء أنقرة. ولا الاكتفاء بأناشيد النصر على «داعش» جغرافياً فيما تبقى مقوّماته التبريرية في مكانها!
ذلك كلّه، ساهم في مراكمة مرارات نكبة السوريين، وزيادة نفوذ الإيرانيين! فيما الادّعاء الراهن أن أوباما ذهب إلى بيته؟!