جيد ومريح ومطمئن، أن يتلقف الأوروبيون زلاّت واشنطن الخطيرة، وأن يبقوا، على تمنّعهم إزاءها حتى لو أكد ذلك التمنّع، هامشياً ومتنياً، أن «القرار» الأخير هو في يد الأميركيين.. كان ويبقى حتى إشعار آخر!
وزيرا الخارجية البريطاني بوريس جونسون والفرنسي جان مارك إرولت… سارعا معاً، الى دلق مياه باردة فوق الرؤوس الحارة التي طاشت بالمواقف الأميركية التاركة «مصير» رئيس سوريا السابق في «يد السوريين»! وراحا مجدداً الى تأكيد استحالة التغاضي عن ارتكاباته، كما استحالة الجمع بين خطين متوازيين الأول هو «الحل السياسي» والثاني هو «بقاء» الأسد في مكانه.
وعلى الطريق الى ذلك «الحل» المرتجى، موضع الإجماع إقليمياً ودولياً على ما يُقال، تُخاض الحرب على الإرهاب بأكلاف غريبة.. منها الوصول الى تركيب ذلك الموقف القائل إن مصير الأسد أمر ثانوي مقارنة بذلك الهمّ المصيري والاستراتيجي!
أهمية ما يقوله، البريطانيون والفرنسيون، تكمن في رفض مبطّن لتلك التوليفة الخبيثة، التي تغلّف كل موقف أميركي فيه زلل خطير.. بحيث أن المعروف، أوروبياً وأميركياً وروسياً هو أن ثنائية الإرهاب والأسد مُحكمة وسببية وهي الأصحّ من ثنائية الإرهاب أو الأسد! التي يحاول الأميركيون مع إدارة دونالد ترامب كما كان الحال مع إدارة باراك أوباما، استخدامها للتغطية على مآرب أخرى، لم يعد أحد يعرف تماماً، أين تبدأ وأين تنتهي!!
حتى الموقف الاستلحاقي للمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، العنيف من الأسد، لا يخرج عن سياق ذلك الخبث، خصوصاً أن خلاصاته لا تتناسق مع مقدّماته. فهي تصف رئيس سوريا السابق بما يليق به: «مجرم حرب فعلَ أشياء فظيعة ضد شعبه واستخدم السلاح الكيماوي (…) ونريده أن يدفع ثمن جرائمه التي ارتكبها» إلخ.
.. لكن بعد ذلك بقليل تلعب ممثلة أكبر وأقوى وأخطر دولة على وجه الأرض، دور مندوبة الصليب الأحمر، أو دور موظفة منفعلة وعاطفية في «لجنة حقوق الإنسان» ولا تملك سوى الرجاء.. تقول: «سنحاول إقناع الروس بخطورة إبقاء الأسد في السلطة (…) ربما لن يذهب لكننا سنواصل ضربه».. إلخ!
أين «تضرب» واشنطن الأسد؟ لا أحد يعرف! وكيف «سيقتنع» الروس بخطورة بقائه؟ لا أحد يعرف!. لكن، بالتأكيد، ما هو «معروف» أن هايلي وإدارة ترامب تستعيران تكتيكات الإدارة الأوبامية السابقة في بداية النكبة السورية: كلام كبير وأفعال صغيرة! ومصطلحات طنّانة وغباريّة لا تفعل سوى تغطية النكوص عن أي تحرّك جدّي على طريق إنهاء هذه المهزلة المضحكة – المبكية المسماة «مصير» الأسد و«أولويّة» الحرب على الإرهاب!
لكن برغم كل هذا الضنى، فإنّ الكلام الأميركي الاستلحاقي يعيد الاعتبار للمنطق ويلجم الاستطراد في التزوير. ويعطي الضحايا بعض الحقوق: بشار الأسد مجرم حرب فتك بأهله وناسه وبلده، وليس «محارباً» ضد الإرهاب! ولا علماً تنويرياً تسعى الديموقراطيات الغربية الى كسب رضاه! وليس في كل الأحوال، مؤهلاً للبقاء حيث هو مهما طال الزمن، وإنما مكانه الطبيعي في قاعة المحكمة «ليدفع ثمن جرائمه».
.. أما بعد، فما على أبواق الممانعة في نواحينا سوى العودة الى سلوكهم المألوف: شتم أميركا! ثم انتظار فرصة أخرى لمحاولة كسب رضاها! وطبعاً من دون نسيان مدوّنة اتهام أخصامهم وأعدائهم بالعمالة لها!