يمكن رئيس سوريا السابق بشار الأسد أن يعرض «التعاون» على الرئيس الأميركي دونالد ترامب! من دون أن يحمل همّ الواقع القائل، بأن الأخير باشَرَ حملة سياسية وإعلامية ضارية على إيران وسياستها، التي يشكّل هو (أي بشار الأسد) أحد أبرز عناوينها ومثالبها!
والخطوة مزدوجة. أحد وجهيها من عنديّاته ويعبّر عن «اصالة» في نهج مستدام مفاده فعل أي شيء، أيّاً يكن، من أجل الاستمرار في الجلوس على ما تبقّى له من سلطة بما عناه ويعنيه ذلك، من تدمير لسوريا وقتل أكثر من نصف مليون سوري وتهجير أكثر من نصف عدد سكانها. ثم الاستمرار في عرض خدماته على الإسرائيليين وبطرق شتّى ولا توفّر أحداً ولا شيئاً (.. وذلك في يوم ما، سيقول عنه حزب الله الكثير؟!).. ثم تأجير «السيادة» ومظاهرها ومتطلباتها وأدواتها وأراضيها إلى الروس بعد الإيرانيين. ثم عرض ما تبقّى من تلك الأهزوجة المتبخّرة، على مَن يرغب ويشاء، قريباً كان أم بعيداً، بشرط التعامل معه وكأنه لا يزال «رئيساً» لتلك الديار المنكوبة!
ذروة المُرتجَى والمأمول والمرغوب، وقمّة الأماني والأغاني والرؤى والهلوسات، أن يعود مَن نَبَذَهُ عن نَبْذِه. وأن يقبل الغربيون وعلى رأسهم الإدارة الأميركية، أوراق اعتماده كجزء من «الحرب على الإرهاب»، وأن يفضي ذلك إلى إعادة تأهيله أو القبول ببقائه في أي صيغة مستقبلية يُؤمل منها تسوية ما!
دغدغته كثيراً سياسات باراك أوباما مع أنه ليس هو أساسها بل إيران! ودغدغته بعد ذلك مواقف أطلقها ترامب في حملته الانتخابية ولم يكرّرها بعد انتخابه رئيساً، مع أنها متّصلة أساساً بالإرهاب، وأولوية محاربته.. مثلما تنعشه وتدغدغه (بالمناسبة) مواقف اليمين المتطرّف والعنصري الكريه والبغيض في أوروبا الغربية تحديداً.. إذ لا بأس عنده (حرفياً) أن يسود العدم طالما أنه (هو) أحد عناوينه العريضة في هذا الزمن الكالح!
الوجه الآخر من خطوة «التعاون» مع ترامب، ليس من عنديّاته، بل من عند رعاته، الروس (قليلاً)، والإيرانيين (كثيراً). إذ إن الطرفين يلتقيان حتى الآن (؟) على محاولة تلافي استفزاز الرئيس الأميركي المنطلق كالصاروخ، أو إشهار المواجهة معه.. برغم أن طهران موعودة بالأسوأ، وموسكو بالأحسن. وبالتالي فإن موقف الأسد يتضمّن ترجمة لتوجيهات من رعاته (في إيران أساساً) تشبه تلك التي أُعطيت للحلفاء والأتباع في بغداد أيضاً!
وهذه القراءة مردّها، إلى أن بشار الأسد لن يجرؤ راهناً حتى لو أراد، على التملّص من رعاته وحماته في طهران، بل أن كثيرين يلهجون بحقيقة أن وطأة «المستشارين» الإيرانيين واصلة إلى جلبابه وجلباب حلقته الضيّقة بكل مراتبها! وصاروا يتحكّمون فعلياً بمصيره الشخصي والعام سواء بسواء!
ومع ذلك، فإن هذه المتاهة لن يطول زمانها. وإذا بقِيَ ترامب على اندفاعه الاستهدافي لإيران، ومحاولته التفاهم مع الروس، وَوَجد فلاديمير بوتين مصلحة أكيدة له في إنضاج تسوية سورية.. ووافق الإسرائيليون على ذلك (!!) فإن أمنيات بشار الأسد الأميركية خصوصاً والمصيرية عموماً، لن تختلف عن قراراته وسياساته «البنّاءة» و«البعيدة النظر»! وسيحصد النتيجة ذاتها!
ويكفيه بؤساً، أن خياراته تتراوح في حدّيها الأقصى والأدنى بين عرض «التعاون» المستحيل والمرفوض مع ترامب، وخناقه المقبوض عليها بأيدي الإيرانيين.. وأي بؤس هذا؟!