“الرّد” الإيراني المنتظر على استهداف العرض العسكري في الأحواز الذي حصل بالأمس، فيه دلالة “إيجابية” واضحة هي أنه مباشر وليس بالواسطة، ويقطع بسرعة طريق الاستطرادات والتوظيفات!
لكن فيه أشياء أخرى كثيرة.. منها أن طهران تيقّنت من مسؤولية “داعش” وتصرّفت (أو حاولت) استناداً الى ذلك، أي أن اتهاماتها التي شطحت بعيداً وطاولت القريب والبعيد لم تكن في مكانها! بل جاءت من مدوّنة أداء عام يتضمن من جملة مضامينه تحميل الآخرين مسؤولية الفشل الذاتي أمنياً وسياسياً ومالياً وتنموياً! والاستثمار في قصّة “التآمر على الثورة” لكبح جماح الأسئلة الكبيرة والصعبة التي تُطرح في الداخل بعد أربعة عقود على قيام “الجمهورية الإسلامية”!
البعض في طهران قال بالأمس إن توجيه ستة صواريخ باليستية ضد أهداف لـِ”داعش” في البوكمال الحدودية السورية، ليس “كل الردّ” وإنما بدايته. وفي ذلك بُعد تقني – عسكري وآخر سياسي. في الأول تبيّن أن اثنين من الصواريخ التي أطلقت من داخل إيران سقطا في إيران! والأربعة الباقية أصابت منازل وأحياء سكنية قرب دير الزور وليس مواقع وجود وانتشار “داعش”! وأن المحصّلة الأولية لذلك كانت مقتل عشرة مدنيين!
وتتمّة ذلك، أن “الحرس الثوري” الذي تبنّى الردّ كان يمكنه اعتماد طرق أخرى (أقل إحراجاً) لاصطياد من يعتبرهم مسؤولين عن عملية الأحواز. لكنه آثر شيئاً آخر يحمل “رسالة” أبعد مدى من الهدف المقصود.. وهذه تقول إن “اليد الصاروخية الإيرانية طويلة”.. وتستطيع أن تصل الى مواقع “قريبة” من انتشار الأميركيين في شرق الفرات! وبالتزامن مع توزيع شريط فيديو يُظهر “إقتراب” زوارق عسكرية إيرانية من حاملة طائرات أميركية في مضيق هرمز!
.. وليس “الاقتراب” من الأميركيين فقط! بحيث أن الصواريخ التي أُطلقت كتبت عليها أسماء “الأعداء” المعروضين في اللائحة الإيرانية من الولايات المتحدة وإسرائيل الى السعودية وغيرها! لكن الضرب ا لمفترض نزل على أهداف لـِ”داعش”، وفي سوريا وليس في غيرها!
وفي جانب من هذه الرواية، هناك فصل خاص بـ”داعش” هذا.. إذ أنها المرّة الأولى التي يُعلن فيها هذا التنظيم استهداف إيران مباشرة برغم أنه (مبدئياً!) انطلق من زاوية مذهبية مضادة للزاوية الإيرانية! بل إنه على مدى سنوات صعوده وتمكّنه لم يفعل شيئاً سوى الفتك بالمكوّن الذي يدّعي الصدور عنه والانتماء إليه! ولم يتسبّب سوى في تدمير الحواضر العربية الإسلامية الأكثرية التي أراد منها بناء “دولة الخلافة”! وكذا حاله مع إسرائيل التي لم يستهدفها ولو بحجر!
والمفارقة أن “داعش” أفاد إيران مرّتين: الأولى عندما فتح أمامها الأبواب الموصّدة في العراق وسوريا وجعلها “جزءاً من الحرب على الإرهاب” بعد أن تمكّن من تلويث واختصار كل البنى المعارضة لها ولأتباعها.. والثانية عندما سمح لها بـ”التنفيس” عن غضبها بعد عملية الأحواز بطريقة “مقبولة”! ولا تفتح أبواباً توصل الى صدامات كبرى لا تريدها بالتأكيد!