IMLebanon

في «داعش» الممانع

تماماً مثلما كان «القاعدة» في عزّ صعود إرهابه العابر للدول عنواناً واحداً لمتفرقات كثيرة.. لمجموعات وأفراد وأجهزة وأشرار، بل لكل من حمل أجندة على قياسه، فإن «داعش» اليوم هو «القاعدة» بالأمس.. إلا إذا أريد الركّ أكثر على محنة العقل وتبليع الغاشي والواعي خبرية أن هذا التنظيم هو قوة دولية عظمى تغطي بانتشارها رقعة توازي ثلاثة ارباع الكرة الأرضية، من استراليا إلى أوروبا مروراً بالشرق الأدنى (العربي والإسلامي)!

تزامن محن الأمس في الكويت وتونس وفرنسا يؤكد الاستنتاج القائل إن «داعش» هذا هو مناخ وعنوان ووظيفة، قبل ان يكون جسماً تنظيمياً محكوماً بتراتبية واضحة وبقيادة واحدة تعطي الأمر وترتاح إلى دقّة الإصغاء والتنفيذ.

و«داعش» الوظيفة أخطر من «داعش» العنوان والمناخ. والوظيفة المركزية هي الفتك من الداخل وبالصميم، بالإسلام الأكثري العربي تحديداً، وبتظهير صورة الإرهاب من خلال وضعها في كادر ذلك الاسلام وحده، ثم استثمار هذا المعطى، في السياسات المصيرية التي تفور وتغلي معها شعوب وكيانات تمتد من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق وما بعده..

و«داعش» المناخ هو تحديداً ذلك الوليد المشوّه الخارج من بطن المشروع المذهبي الذي اطلقته ايران في ديار العرب والمسلمين في السنوات الاخيرة وأرادت من خلاله تحقيق مآرب ذات أبعاد قومية صافية.. مناخ أمطر ظواهر مضادة تضرب بوضوح على الوتر المذهبي، لكنه امطر ما هو اكثر من ذلك وأخطر: تيسير وتسهيل الاستثمار في عنوان الارهاب الديني، في لعبة المصالح السياسية والاقتصادية المتنافرة للقوى والانظمة الاقليمية والدولية على حد سواء.

استهداف الكويت جزء من سياق استهداف الخليج العربي في الإجمال.. عانت السعودية قبلاً، لكن امكنها إحباط الشر المطلوب بتوليفة من الإجراءات والسياسات والتوجهات الحاسمة والذكية. والأمر نفسه متوقع في الكويت، في حين تبدو تونس وكأنها تُعاقب على رحابتها، وفرنسا تُعاقب على سياساتها السورية والنووية.. والسعودية!

بين المناخ والوظيفة يتسلل «داعش» إلى عالم مشرقي مهيّأ لتلقّف التوتر والفرز. بعضه يحن إلى كتب التاريخ، ويفترض ان استعادة حقب منه، هي وصفة تامة لتأكيد الفرادة وصون الذات وحفظ الموروث المقدس.. لكنه في الاساس متسلل مفضوح، لم يتمكن من ستر حقيقة انه خرج من غرفة عمليات الممانعة، ومنذور للقيام بكل ما يفيد سياسات اصحابها وطموحاتهم ومآربهم الموازية للعته، والمؤاخية للعصاب الذي تفرزه اليقظة القومية البدائية، كما الجموح الهستيري لدوام السلطة حتى لو كانت على خرائب لا حصر لها!

.. لا يوجد جسم تنظيمي واحد اسمه «داعش»، بل هناك جسم مركزي واحد اسمه غرفة عمليات الممانعة، وعلى هامشها قوى وأجهزة حضرت إلى السوق وبدأت اللعب فيه.. والباقي تضليل لا يحجب تلك الحقيقة!