Site icon IMLebanon

في «خطورة» بوتين!

رجل خطير فلاديمير بوتين. وخطورته متأتّية من كونه يختصر في شخصيته عوالم عدّة كان يمكن المرور بها عَرَضياً لولا انها تملك في يديها مفاتيح لرعب بشري غير مسبوق!

ضابط استخبارات متمكن. تربّى في «منزلين» وعايش فيهما اليتم المزدوج: مات والده البيولوجي باكراً. ثم مات «نظامه» الأبوي بعده. ما اوصله في الحالتين الى نتيجة واحدة هي التآلف مع الموت واعتباره الاصل فيما الحياة هي الفرع..

شخصيته الحادة والملتبسة تشبه في بعض نواحيها شخصية صدام حسين، وربما غيره من الرجال الذين سببوا افظع الويلات للبشر لأنهم على ثأر دائم مع الحياة! وذلك في الحالات الفردية يعني عدائية مفتوحة قد توصل بصاحبها الى مصح عقلي او الى العزلة الدينية.. لكن في الحالات «العامة» مثل التي نحن في صددها، توصل الى نتائج كارثية ونكبات على غرار تلك التي سببها صدّام العراقي وتلك التي راكمها حتى اليوم بوتين الروسي.

ولأن آليات الرقابة والمحاسبة المؤسساتية، كانت غائبة عند الأول وغائبة اليوم عند الثاني، فان الأسوأ هو الاحتمال الدائم والمنطقي.

هكذا تعامل صدّام مع ضحاياه انطلاقاً من قاعدة لا تقيم للحياة البشرية اي وزن يُعتدّ به. استسهال القتل عنده اودى بحياة خمسة ملايين عراقي وعربي وكردي ومسلم بمن فيهم اقرب الناس اليه، وصولاً الى التلويح باستعداده الذهني التام لاستخدام آليات الابادة والافناء حرفياً.. فعلها في الكيماوي ضد الكرد، وهدّد باستخدامها ضد غيرهم. ودائماً كان مقتنعاً وبقي حتى اللحظة الاخيرة، بأن ما يفعله هو الصحّ تماماً بتاتاً!

ضابط الاستخبارات الذي صار زعيماً لدولة نووية، يشبه صدّام في ناحية حاسمة: اعتبار كل من يخالفه «عدواً». الخصام ممكن لكن في سياق العجز عن الوصول الى المخالف! أما في الحالات الدائمة فان العنف هو التعبير الوحيد الممكن أن يخرج عن شخصية تطورت على وقع اعتبار العدم هو القياس.. والاثنان يتقاسمان المبدأ ذاته: كل حي عدو سيئ. وكل ميت عدو جيد!

صدّام ما ترك احداً من «جيرانه» يعتب عليه! من إيران الى الكويت! بوتين مثله، من جورجيا الى اوكرانيا! الاول كان يرى في القتل أسهل حل لأي معضلة، كبيرة أو صغيرة، والثاني صنوه. الأول «وصل» بالمسدس والقنبلة لكن على المستوى الفردي، اي التخلص من كل «مناوئيه» من «الرفاق» و»أصدقاء العمر«.. والثاني متهم بأنه «وصل» الى القمة لأنه لم يتردد عندما كان ضابط استخبارات في استخدام المسدس (؟) ثم لم يتردد في طريقه الى الكرملين من افتعال تفجيرات في قلب موسكو واتهام شيشانيين متطرفين بها، لأنه «فهم» تماماً ان ترسيخ وجوده على رأس السلطة يحتاج الى حمام دم، مثلما يحتاج مشروعه لإحياء امجاد الدولة الامبراطورية إزاء الخارج، الى «تنظيف» البيت من الداخل اولاً!

.. في مؤتمره الصحافي السنوي قبل يومين في موسكو سئل زعيم الكرملين عن «كلفة» عملياته الحربية في سوريا، فأجاب، على الهواء مباشرة بما لا يمكن توقع أن يخرج من رجل في موقعه ومستواه وصلاحياته وامكاناته.. قال حرفياً: «هذا ليس عبئاً على الميزانية (…) يصعب تخيّل تمرين أفضل. هكذا يمكن ان نتدرب هناك لوقت طويل من دون أي ضرر يلحق بميزانيتنا».

هذا زعيم دولة نووية يقول علناً ان قواته «تتدرب» بدماء السوريين وبأرواحهم وأرزاقهم!! والجهر بالقول أخطر من القول ذاته، أي ان هذا النازي المستعاد، يفترض انه يفعل الصواب تماماً! ولا شيء عنده ليخجل به!.. هذا البوتين الذي لا يزال يترحم على القذافي، الذي مثله وقبله بالمناسبة اعتبر معارضيه «جرذاناً»! ليس غريباً أن يشيد بمهرج خطير على الضفة الأخرى للأطلسي اسمه دونالد ترامب! ولا ان يستخدم الابتذال الآتي من شوارع نتنة لاهانة الأمة التركية!

.. هذا البوتين، لم يتردد قبل ايام من مؤتمره الصحافي السنوي، في التلويح باستخدام «القنابل النووية التكتيكية» في سوريا بحجة محاربة الارهاب! وهنا مكمن الخطورة في شخصيته المركّبة: مثل صدّام والقذافي لكن مع اسلحة افنائية حقيقية! ومثل ترامب لكن من دون روادع ولا ضوابط النظم الديموقراطية.

.. هذا البوتين يجعل من حديث «داعش»، نكتة سوداء، ليس أكثر!