IMLebanon

في صناعة القرار..

لا تتحكم العواطف والإنسانيات وخبريات الضمائر الحيّة بالمصالح والسياسات إلّا في ما ندر وتبعاً لعوامل مُضافة جلّها يتصل بالهويات والانتماءات، الدينية والعرقية.

وتلك بديهة لا تُجادَل في معظم الحالات الدولية، خصوصاً منها تلك المتعلقة بدول عظمى تبني قراراتها وسياساتها تبعاً لمدوّنة مصالح فعلية أو مُفترضة، وتتصرف انطلاقاً من نقاط ارتكاز تعادل حرارتها الصفر المكعب.. باردة وجليدية. ولا مكان فيها، لأي نوع من الانفعال أو التوتر، أو الهيجان.

«تقسيم» العمل، إذا صحّ القول، يعني بناء القرار بالمواجهة أو الحرب أو الصدام أو الدخول في نزاع مسلّح أو غير مسلّح، تبعاً لمعطيات مختلفة تماماً عن تلك التي تعتمدها جماعات حقوق الإنسان وتلك المعنية بالمعطى البشري في الإجمال. هذه لها منظمات متخصصة تعمل على الهامش وتتولى «الاهتمام» ورعاية الضحايا وبناء المخيمات والمستشفيات وتسمّيها ميدانية!.

في اللحظة التي ينضج فيها قرار صاحب الشأن والسلطة، تصبح المعطيات ذات الصلة بالأنسنة والمشاعر وحقوق الناس ومفردات الحرية ومشتقاتها، جزءاً من عدّة الشغل. وسلاحاً من الأسلحة المطلوبة في المعركة، أكانت هذه حربية دموية أو سياسية إعلامية. وهذا أداء مألوف ورئيسي في الواقع، عند منظومات الحكم والسلطة في الدول الديموقراطية تحديداً، باعتبارها تأخذ في الاعتبار (كل اعتبار) الرأي العام في بلدانها، أي عموم الناس، الذين هم في بداية المطاف وآخره، أهل السلطة وصنّاع رموزها.

لكن هذه البديهيات تصبح نسبية في ما يخص الشأن الخارجي.. أي يمكن أن تقوم القيامة على حادث فردي يتصل بضرب مواطن على أيدي الشرطة في أميركا، أكثر من غيرها، وتبقى تلك القيامة نائمة في شأن مذابح (بالمعنى الحرفي) وفظاعات وجرائم إبادة تجري خارج حدود الدولة والكيان! وتخص وتتعلق بشعوب وأقوام غريبة!

واتخاذ القرار بجعل ذلك الشأن الخارجي، معطى داخلياً، هو صناعة قائمة في ذاتها. وهي ربما الشكل الوحيد في الأنظمة الديموقراطية المأخوذ من الدول المركزية المحكومة بأنظمة موجهة وبأحزاب شمولية تصادر العلم بالمعلوم والمجهول والواقع والغيب وتقرر ما تراه مناسباً في شأنه! وهذه الصناعة قوامها الإعلام، قبل الموقف السياسي! بل يكاد الاعلام أن يكون المعبر المدني الوحيد المؤدي إلى قرار بالصدام أو بالحرب، أي هو السلاح النظري التمهيدي الأهم والأخطر، للمباشرة باستخدام السلاح الفعلي، (ومرة أخرى) أكان ذلك بالمعنى العسكري أو السياسي!

.. كل ذلك هو محاولة لتفسير الاهتمام الغربي والدولي والإعلامي الهائل والاستثنائي بحالة الطفل الحلبي عمران، مع أنه سبق عمران عشرات الألوف من الأطفال الذين حطمت بقايا سلطة الرئيس السابق بشّار الأسد وكل المحور الممانع، حياتهم وأعمارهم في سياق النكبة التي أحاقت وتحيق بعموم السوريين منذ نحو خمس سنوات!

يشي هذا الاهتمام (يشي!) بشيء ما يتم التحضير له من قبل الإدارة الأميركية في شأن الوضع السوري(؟) ما يتطلب تحضيراً مسبقاً لتوجيه الرأي العام نحو قضية ظلت في خلفية اهتماماته ومتابعاته على مدى السنوات الخمس الماضية.. أو ربما تكون هذه الإضاءة النبيلة برغم تعليبها! على مآسي المدنيين السوريين الفظيعة والمهولة، ترجمة لرد أميركي وغربي رسمي لكن بأدوات غير رسمية، على التصعيد الروسي الإيراني واحتمالاته المفتوحة على الأسوأ.

ملفّ بشّار الأسد جاهز وتام ومكتمل قبل الطفل عمران بكثير، وأكبر من قصة عمران بكثير! وفي اللحظة المناسبة، لحظة نضوج القرار أو تغيير هوية صاحب القرار، سيفتح ذلك الملف على مصراعيه، وسينسى العالم تفاصيل صورة الطفل الحلبي وقبله الطفل الكردي إيلان، أمام الأهوال والفظاعات التي ستظهر! ومنها، لمن يتذكر(؟) قصف الغوطة بالأسلحة الكيماوية وخنق مئات الأطفال والرضّع في ذلك الصيف من العام 2013!

بانتظار ذلك، سيبقى عمران ومئات الألوف من أقرانه وأمثاله، شواهد لا تمحى على العدم الخالص الذي حملته وتحمله إلى هذا العالم بأسره، عوالم الممانعة على اختلاف مراتبها وهوياتها وشعاراتها.