ربما من الخطأ التسليم بالنظرية القائلة بأن الحرب الباردة انتهت بمجرد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 . فالولايات المتحدة واصلت هذه الحرب على روسيا التي كانت عصب الاتحاد أملاً في تفكيكها هي أيضاً على النحو الذي يضمن عدم تمكن الروس من التفكير مجدداً بأن في امكانهم يوماً من الأيام ان يعودوا دولة عظمى لها مكانتها تحت الشمس.
وعلى رغم ان كل الزعماء الاميركيين منذ تفكك الاتحاد السوفياتي كانوا يعلنون على الملأ ان روسيا لم تعد عدواً بعد زوال النظام الشيوعي الذي كان يشكل تحدياً ايديولوجياً للولايات المتحدة ، فإنهم في الواقع كانوا يمارسون سياسات تنتمي الى حقبة الحرب الباردة، واسطع مثال على ذلك كان التمسك بحلف شمال الاطلسي وتمدده نحو الحدود الروسية واستخدام الحلف أداة امنية سواء في اوروبا أو حتى خارج اوروبا كما في افغانستان التي ليست هي ايضاً بعيدة عن الحدود الروسية. ولم يكن في وسع الرئيس فلاديمير بوتين الا ان يتساءل في خطابه امام الدورة السبعين للجمعية العمومية للامم المتحدة الاثنين الماضي ، عن استمرار حلف شمال الاطلسي وقت زال الاتحاد السوفياتي وحلف فرصوفيا.
وقد يقول قائل إن الولايات المتحدة سعت فعلاً الى دمج روسيا في عجلة الاقتصاد العالمي وعقدت معها اتفاقات لخفض الاسلحة النووية في السنوات الـ25 الاخيرة لكن موسكو أو بوتين هو من عرقل مسيرة التطبيع بين موسكو والغرب بسبب طموحه الى اعادة بناء امبراطورية روسية.
ولعل هذه النقطة بالذات هي مصدر التدهور الاخير في العلاقات الاميركية – الروسية. فالولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع روسيا ولكن شرط ألا يعترض بوتين على تمدد الاطلسي الى أوكرانيا وجورجيا ، أو يعترض على سياسات أميركا في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
وبكلام آخر ان تتحول روسيا جمهورية من جمهوريات البلطيق.
في مواقف المسؤولين الاميركيين يظهر بوتين الآن كأنه ينفذ سياسة عدوانية ضد الغرب وقيمه، من خلال تمسكه بالدفاع عن مصالح روسيا في سوريا وأوكرانيا، بينما هو في الواقع يدافع عن روسيا نفسها. ووقت كانت أميركا، التي تربعت على عرش العالم قوة عظمى وحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تعتقد انها قطعت شوطاً طويلاً في ترويض الدب الروسي منذ ربع قرن حتى اليوم، ها هي تواجه الآن المحاولة الجدية الاولى من روسيا للعودة الى عالم متعدد القطب.
ومن بغداد كرست أميركا أحاديتها القطبية. ومن دمشق ، تواجه الآن أكبر تحد لتفردها بزعامة العالم.