لم يعد هناك في اللحظة التاريخية الراهنة الآن من مجال قط للمداراة ولا للمحاباة أو التلطّي والتخفّي وراء أصابعنا واللهاث اللامجدي وراء كياسة الديبلوماسية الملتبسة المعتورة الصفراء في ما يتعلق بالمعركة الكبرى الطاحنة التي تقودها المملكة السعودية بالنيابة عن الأمة العربية وشعوبها دفاعاً عن قوميتنا وانتمائنا وتاريخنا وتراثنا ومصالح أهلنا ومستقبل بنيهم وحقهم بالتشبث بهويتهم ولغتهم ومكانتهم تحت الشمس.
فالسعودية الآن هي بحق القلعة الأخيرة والحصن الأمين المتبقي لنا والمتراس الهائل الذي يخوض كطليعة ومقدمة في الصفوف الأمامية بوجه أعتى هجمة عرمرمية تتدفق علينا وتستهدفنا في العديد من الجبهات والمحاور وساحات القتال.
إن خمس سنوات متواصلة من حمامات الدم المراق التي يخوضها الشعب السوري، والتي تواجه فيها الثورة السورية نظاماً ديكتاتورياً دموياً فاسداً متخماً بأجهزة القمع والقتل والاعتقال والإعدامات السرية، وآلة حرب أسدية عمياء سحقت المدن والبلدات وشرّدت الملايين فأكرهتهم على الهرب والنزوح حتى أقاصي الأرض، ظلت على الدوام تلقى دعماً متواصلاً وعطفاً لا يتزعزع ونصيراً ثابتاً لا يكل من قبل المملكة وحلفائها.
فالمملكة قد انبرت في شتى الميادين والصعد ابتداء بالساحة العربية ومروراً بالعالم الإسلامي وانتهاء بالمحافل الدولية، وهي التي تملك شأواً عظيماً وتأثيراً عالمياً ومهابة عميقة للدفاع عن حق الشعب السوري بإرساء نظام ديموقراطي يكفل حقوق الإنسان في الحرية والكرامة والانعتاق.
وإن استطاع النظام الأسدي، عندما استنجد بحليفه النظام الملالي الإيراني فأرسل له ما استطاع من ميليشيات مذهبية كان حزب الله عندنا في طليعتها، فيطلق في المقابل الفصائل الإرهابية نظيرته القاتمة الدموية السوداء كداعش وأمثالها، ويحاول ما أوتي تمزيق صفوف المعارضة السورية الوطنية، فإن ذلك لم يفت في عضد القيادة السعودية ولم يجعل من بوصلتها القومية أن تنحرف ولا قيد أنملة عن صوابية المعركة. وقد برهنت الرياض في جميع المحافل الدولية والمؤتمرات العالمية واللقاءات الدولية وجميع المحادثات الثنائية في العواصم الكبرى عن ثبات جدير بالإعجاب والدعم والتعاطف والتضامن من قبل الشعوب العربية التي غدا مصيرها ومستقبلها على المحك.
ففي ظل مرحلة تاريخية مصيرية تشابه إلى حد التماثل والتطابق اتفاق سايكس بيكو المشؤوم (1916) يوم توزّعت القوى العظمى أشلاء الأمة العربية عشية هزيمة الدول الوسطى وفي جملتها تركيا، عندما نشاهد بأم العين التوافق الأميركي الروسي حول مصير سوريا، فإن الرياض لا تتزحزح عن موقفها الثابت المعاند بالتمسك بوحدة أراضي البلد المنكوب.
وعندما برز التنظيم الإرهابي البربري «داعش» المولود الطبيعي الخارج من رحم النظام الأسدي ونظيره العراقي تلك المحمية الإيرانية التي أوكل فيها الاحتلال الأميركي للنظام الملالي إدارتها، تلك الذريعة التي استنبتتها السياسة المذهبية للأجنحة الإيرانية وربيبها بشار الأسد، فإن الأوركسترا الإيرانية راحت تنقل بيادقها من العراق إلى سوريا إلى لبنان، إلى غزة لتلاقيها أساطيل جوية أممية كانت على الدوام بالكاد تلامس في طلعاتها مواقع الداعشيين وقوافلهم ومصافي نفطهم المنهوب فإذا بشعوبنا العربية تدرك الآن وأكثر من أي وقت مضى أن داعش ما هو سوى الذريعة والمقدمة لنشهد سايكس بيكو من طراز جديد، وتنبري المملكة وحلفاؤها الآن لإطلاق معركة رعد الشمال لسحقهم.
إن الأخطار الملاحقة التي نواجهها نتيجة الهجمة الإيرانية المتواصلة علينا، لم تكتف بإحضار آلة الحرب الروسية العالمية إلى أرض سوريا، بل راحت تضرب تلك الأقطار العربية المواجهة للطغمة الإيرانية الحاكمة، ففي البحرين، وفي الكويت بل حتى في شرق المملكة بدأت بوادر أعمال الإرهاب. فما من حادثة وما من خلاف وما من تنوع مذهبي أو اثني إلا وكان يتخذ أبعاداً مثيرة لاختلاق أزمات تتلخص جميعاً بأن ثمة مخططاً جدياً داهماً لاقتحامنا والسيطرة علينا. ولم يسلم لبنان نفسه من هذا المخطط عندما جرى تكبيلنا جميعاً أسرى ورهائن في قبضة حزب الله. وهكذا جرى تحويل بيروت بإعلامها وصحافتها إلى منبر شتائم يومية تكال بحق المملكة. وبدت الدولة اللبنانية بجميع مرافقها ومؤسساتها الدستورية والقضائية والإدارية بدورها رهائن في قبضة حزب السلاح. وكم من جهود ومساع ومحاولات ودعوات بذلتها المملكة لتجنيب لبنان منزلق الحرب الأهلية الجديدة، وكم هي هائلة فرص العمل والاستفادة القصوى من إمكانات اختصاصيينا وكوادرنا التي وفرتها المملكة لنا هي ودول الخليج. ألا تستحق منا والحالة هذه كل إكبار وامتنان؟
وكانت حرب اليمن الذي فجرها الانقلاب الحوثي بقصد تحويل ذلك البلد الفقير ذي الموقع الاستراتيجي الخطير مديّة حادة يطعن فيها نظام طهران في خاصرتها المملكة الصامدة فيشل قدراتها المنصبّة على رفع أعباء الوضع المصري المتعثّر ويعطّل انكبابها المتواصل على إيجاد تسوية سياسية عادلة للأزمة السورية. أي إن نظام إيران يرمي إلى إمطار السعودية بوابل من بؤر التوتر وحروب الاستنزاف. فقد جرى إعداد الانقلاب الحوثي صالح إعداداً متقناً دقيقاً في غرف طهران السوداء حيث إذا دعت الحاجة فإن التقنيات الروسية والأسلحة المتطورة هي بمتناول المشروع الإيراني الكبير. كما أن الإفراج التدريجي عن الودائع المالية الإيرانية التي تقدر بـ130 مليار دولار سيوفر مالاً وفيراً لخدمة المشروع الإيراني التوسعي التدميري، ذلك أن الانتخابات الإيرانية الأخيرة وإن أثبتت وعلى الملأ اتجاهاً جارفاً لدى الرأي العام الإيراني نحو الخيار الديموقراطي ودعم المطالب المحقة بتوفير فرص العمل وتقليص البطالة ومحو الأمية وتحديث البنية التحتية، فإن الركائز الأساسية في السلطة ومواقع القرار ما زالت بيد المرشد وكل الرعيل الظلامي وعلى رأسهم الحرس الثوري الداعي للحرب. فلا يتوقعن أحد والحالة هذه أي بوادر طيبة ولا ميلاً ولو طفيفاً في ثني القادة الإيرانيين عن الاستمرار في مشروعهم التوسعي.
كثيرون بيننا كلبنانيين من أصيبوا بالذهول والإحباط حيال ما سمعوه من الأمين العام لحزب الله على التلفزة. فهو ماض حتى النهاية في حملته الشعواء على المملكة حيث يكيل لها الاتهامات الباطلة. فهو مستمر في إرسال مقاتليه إلى اليمن. وهو الذي بفضل سلاح حزبه وفرض رؤيته لطبيعة المرحلة التي نعيشها والتي يتخبط فيها الوطن الصغير تحت سيطرة حزبه على مرافق البلاد ومفاصلها ومؤسساتها من تعطيل متماد لعمل البرلمان وتكريس متواصل للشغور الرئاسي وشل العمل الحكومية وقيادة البلاد وسوقها من التعطيل إلى البوار والتجويع، قد قرر الذهاب بنا إلى الهاوية. فلم يصدق أحد من اللبنانيين تلك الافتراءات المختلفة من قبيل أن المملكة السعودية هي التي دبّرت لنا تلك السلسلة الدموية المرعبة من الاغتيالات الصاعقة ولا تلك العبوات التي أودت بخيرة السياسيين والبرلمانيين والصحافيين والمفكرين الرافضين لمشروعه التدميري. فأي مصلحة يا ترى للمملكة في تدمير لبنان؟ وأي ساذج لبناني أو عربي تنطلي عليه هذه الافتراءات؟ إن جميع اللبنانيين يعلمون علم اليقين هوية وملاذ ومخابئ القتلة المجرمين.
إن الذين يعتقدون أن الطريق إلى قصر بعبدا بالإمكان تعبيده بالممالأة والذرائع الموصومة بالنفاق السياسي وتقديم التنازلات على حساب شعب لبنان ومصلحة أهله ومستقبلهم هم أقرب إلى الإفلاس السياسي من سدة الرئاسة أقصى المستحيلات.
إننا نهيب بكل شرفاء شعبنا، ممن يعز عليهم قوت اللبنانيين وأرزاقهم، أولئك الذين يعون تماماً نحو أي هوة مجهولة القرار، تقودنا هذه السياسات، الوقوف بحزم وبكل الوسائل المتاحة إلى جانب المملكة، آخر قلعة حصينة سوف تبقى بحق قادرة على دحر المعتدين. إن المعركة مستمرة.