IMLebanon

في التخريف وملحقاته

قد يكون مبرراً الكلام العالي في أوقات الضنى والنزاعات والنزالات والحروب والبلايا.. وقد يكون مبرراً أن يتخندق الناس، في السياسة والاعلام والتبليغ تبعاً لتخندقهم في الميدان، وللانقسام الذي يجدون حالهم جزءاً منه، بالضرورة والانتماء والخيار والهوية والرأي.. الخ.

لكن ما ليس مبرراً أو مفهوماً (تحت ذلك السقف وليس فوقه) هو أن تنقلب آليات التعبئة والتبليغ من تسويق البلاغ الخاص وتسفيه البلاغ المقابل أو المضاد، الى الداخل بطريقة معكوسة، وأن تُستخدم في ذلك الآليات ذاتها التي تُستخدم ضد الغير، بما فيها (في حالة جماعة الممانعة) كل عدّة التحوير والتزوير والتخريف والتحريف وتفطيس كل ما له علاقة بالحقيقة والواقع.

هكذا تفعل الماكينة الممانعة تماماً بتاتاً منذ يوم يومها بجمهورها. وهذا ما تفعله منذ اللحظات الأولى للاعلان عن توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، وفي مقدمها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.. بحيث إن ما أُذيع ويُذاع وكتب ويُكتب وقيل ويُقال من روّاد ذلك المحور ومذيعيه، لا يكتفي بتشويه الخلاصة، بل يتعمد تشويه عقول خواصه وبشكل يتناسب مع الإهانة التامة التي لا يرتضيها عاقل لخصومه فكيف لأهله!

وتماماً مثلما لخّص اللامع غسان عياش الأمر، فإن متابعة إعلام ممانعة آخر زمن تدفع الى الظن والافتراض أن الدول الست الكبرى هي التي سلّمت مشاريعها النووية الى إيران! وهي التي احتفلت برفع العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها إيران عليها! وهي التي كانت مأزومة حتى النخاع بنزاعها مع جمهورية الولي الفقيه، وتكاد أن تطير من الفرح لأنها علّقت ذلك النزاع! أي تماماً مثلما حصل عندما أذيع نبأ الانفتاح الأميركي الكوبي والاتفاق على اعادة العلاقات بعد قطيعة استمرت أكثر من خمسة عقود، بحيث ان الخلاصة الممانعة ذهبت الى الاحتفال بـ«انتصار كوبا» باعتبار ان الأميركيين تنفسوا الصعداء أخيراً لأن هافانا رفعت العقوبات والحصار عنهم! وسمحت بذهاب السياح الكوبيين إليهم! وبدخول منتجات الصناعة الكوبية، مثل السيارات والهواتف وغيرها، الى السوق الأميركية بعد طول حرمان!

.. وتماماً مثل القول، ان بشار الأسد علم مهدوي يستحق أن تدمّر سوريا ويُشرّد شعبها ويُنكب أيّما نكبة، من أجله! أو ان الطريق الى القدس يمرّ بحلب فيما صاحب القول يحسب ألف مليون حساب لحركته في بنت جبيل، وغير ذلك الكثير من الأمثلة التي لا يمكن اخراج توصيفها من دائرة العته الصافي المصفّى.

غريب أن تستمرئ جماعة الممانعة، تلك الممارسة التخريفية التحريفية وبهذه الأريحية الفوّاحة، مع ان أول ضحاياها، بعد العقل وإخوانه وأقاربه وخلاّنه، هم أهل الممانعة أنفسهم، وليس أحداً غيرهم!