تختلف حسابات الانتخابات البلدية والاختيارية في بلدتي حاريص ودير انطار (بنت جبيل)، بشكل جذري، عن بقية البلدات الجنوبية. في كلتا البلدتين رجل أعمال كبير، هو المرجع الأول لاختيار المرشحين، سواء على «لائحة التوافق» بين أمل وحزب الله أو من دونها. وتجربتا الانتخابات البلدية عامي 2004 و2010 أكدت قدرة هذين الرجلين، اللذين أنفقا مالا وفيراً على الخدمات، على الخروج عن «العرف» السياسي المتّبع، والفوز في الانتخابات والحفاظ على موقعهما في منصب الرئاسة من دون أي منازع وبالشروط التي يريانها مناسبة
دير انطار (بنت جبيل) التي يتربع على رئاسة بلديتها رجل الأعمال قاسم حجيج، تبدو وكأنها تتمتع بـ «استقلال» عن الدولة وخدماتها بعدما شكلت فيها، منذ أعوام، «حكومة خاصة».
أزمتا الماء والكهرباء اللتان تعانيهما معظم المناطق اللبنانية، لا أثر لهما في البلدة بعدما عمدت عائلة حجيج الى حفر بئر ارتوازية تؤمن المياه مجاناً للبلدة، والى شراء مولّد كهربائي ضخم يغطّي حاجات جميع أبنائها مجاناً، وعلى مدار الساعة». يقول ابن البلدة نزار قصير: «لا أحد من السياسيين يستطيع منافسة رئيس البلدية هنا. فهو يقدّم ما تعجز الدولة عن تقديمه. ومنذ السبعينات، هو وعائلته يؤمنون فرص العمل لشباب البلدة في لبنان والمهجر، ويؤمن الدواء والكساء لكل محتاج هنا وفي بلدات أخرى، وقد أنشأ مؤخراً في المنطقة مشروعا زراعيا أمّن العمل لنحو 70 شاباً من البلدة».
في البلدة التي أقيمت في ساحتها حديقة كبيرة، يتم تأمين الأقساط والكتب المدرسية لجميع الطلاب، وبُنيت عشرون شقّة سكنية لإسكان شباب من البلدة راغبين في الزواج ريثما يؤمنون منازلهم الخاصة. ويذكر أبناء البلدة أن «مؤسسة حجيج» وفّرت فرص العمل لنحو 100 شاب من أبناء البلدة، وتقدّم الخدمات الطبية ونفقات العلاج لغير القادرين، ورواتب شهرية تفوق الـ 30 ألف دولار للمرضى والمعوزين من البلدة».
هذا الرصيد الذي يتمتع به حجيج مهّد أمامه الطريق لخوض الانتخابات البلدية الماضية، و»قلب الآية» السائدة في بقية البلدات. حيث يطالب حزب الله حجيج بأربعة مقاعد فيما وافق هو على تقديم مقعدين للحزب، «وحتى الآن لا تزال الاجتماعات مستمرة». علماً أن لائحة من 6 مستقلين يرأسها عبدالله حجيج تشكّلت في وجه «الريس» الحالي، لكن أبناء البلدة يعتبرونها «ضعيفة جداً في مواجهة قاسم حجيج».، مساء أمس أعلن مصدر مقرّب من حجيج أن «حزب الله سحب جميع مرشحيه، لمصلحة حجيج، دون أي مشاكل، ولا سيما أن في لائحة حجيج من هو وسطي وقريب من حزب الله، كما انسحب احد مرشحي لائحة المستقلين ويستمر العمل على سحب الباقي، لعلّ لائحة حجيج تفوز بالتزكية».
ولا يختلف الأمر كثيراً في بلدة حاريص التي يتولّى رئاسة بلديتها، للمرة الثانية على التوالي بعد والده، رجل الأعمال المغترب عماد سليمان أحمد. الأخير فرض شروطه على حركة أمل وحزب الله في الانتخابات البلدية الماضية، مشكّلاً لائحة من اختياره رافضاً منح الحزب 6 مرشّحين من أصل 15، الى أن تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري ليقبل تمثيل 4 فقط وتفوز اللاّئحة بالتزكية. ويمكن «أبو علي عماد»، بحسب أبناء بلدته، الفوز بالانتخابات ولو في مواجهة أمل وحزب الله معاً بسبب «ما قدمه مع أولاد عمه من خدمات لأبناء بلدته»، برغم انتقادات يوجّهها بعض هؤلاء لأن «الخدمات البلدية اقتصرت على تقديم الطرقات والمساعدات الشخصية، وأهملت الحاجات العامة، مثل بناء الملاعب والمراكز الثقافية والصحية. حتى إن مبنى البلدية لايزال في الطابق السفلي لمنزل الرئيس، وبالتالي فان البلدية وخدماتها ترتبط حصراً برئيسها». وبحسب أبناء البلدة فان «حزب الله خاض المعركة البلدية مرتين وخسرها أمام عماد سليمان أحمد المحسوب على حركة أمل، ولكنه لم يحاربه بل عمم على عناصره انتخابه شخصياً لأنه يريده رئيساً ولا يريد أي مشاكل عائلية». ويشير البعض الى أن السبب «هو خدمات أحمد، ولا سيما أنه يموّل علاج مرضى ضعف البصر، كما موّل أكثر من 250 عملية جراحية لمعالجة المصابين بضعف البصر، فويكفي أن يكون ضعف النظر أكثر من 3 درجات ليؤمّن لك العلاج المجاني عند طبيب مشهود له بالكفاءة، بصرف النظر عن كلفة العلاج. كذلك يعمل في شركات يملكها هو أو أقرباؤه أكثر من 300 شاب من البلدة في دول أفريقية متعدده». حسابات عماد سليمان أحمد الانتخابية تتعرّض للمواجهة للمرّة الثانية، وهو «محسوب على حركة أمل، ومقرّب من الرئيس برّي. لكنه لم يوافق على النسبة التي حددها اتفاق أمل وحزب الله لكل منهما. يريد أن يعطي حزب الله 4 مقاعد بلدية على لائحته، بدل 6 مقاعد كما نص الاتفاق، ما يعني أن حركة أمل ستفوز للمرة الثانية بـ11 مقعداً بينهم الرئيس ونائبه». يقول مقرّب من حزب الله إن «انصياع حزب الله في انتخابات 2010 الى رغبة أحمد كان مشروطاً باعطاء دور لأعضاء حزب الله الأربعة، لكن ذلك لم يحصل، لذلك نريد المقاعد الستة، وطالبنا بذلك دون جدوى». لا يريد حزب الله في البلدة أن تتفاقم الحساسيات العائلية والحزبية، لذلك قرّر، عصر أول من أمس اللجوء الى وساطة الحوزة الدينية في حاريص، فعرض عليها أن «يتنازل الحزب عن ثلاثة مقاعد، مقابل أن يختار عماد أحمد ثلاثة من المستقلين، ليصبح تمثيل حزب الله والمستقلين 6 مقاعد». يفترض مقرّب من حركة أمل أن «لا يقبل أحمد هذا العرض، لأنه يرى أن المستقلين محسوبون على حزب الله، لذلك فان الأزمة ستزداد سوءاً»، مرجّحاً «التوجه إلى معركة لا تُحمد عقباها، ولاسيما أن الاحتقان بين صفوف الأهالي بلغ ذروته هذه المرّة، حتى إن طائرة من 70 مغتربا من أبناء البلدة، وصلت يوم أمس ( اليوم) الى لبنان، على نفقة أحمد للمشاركة في الانتخابات». أعد أحمد العدّة اذاً لأي طارئ. «رشّح أيضاً أربعة للمقاعد الاختيارية الأربعة، ورفض أن يسمّي أي من مرشحي حزب الله أو المستقلين لهذه المقاعد، ما يعني أن الأمور تزداد تعقيداً». يرى المقرّب من أمل أن « الرئيس برّي يتواصل عادة مع عماد أحمد، ولذلك من المفترض أنه طلب منه الالتزام ببنود الاتفاق مع حزب الله، ومن الممكن أن يتدخل اليوم لحلّ الأزمة»، مشيبراً إلى أن «حزب الله قد يرضخ مجدداً لشروط أحمد». ويشير المقرّب من حزب الله الى أن «حزب الله حصل على تعهد من قادة أمل باقناع أحمد بتطبيق الاتفاق، لكن يبدو أنهم لا يستطيعون ذلك». يذكر أن عدد ناخبي بلدة حاريص هو 5600، مرجح أن ينتخب منهم نحو 2700، ومن المعروف أن عدداً كبيراً من منظمي حزب الله ومؤيديه يصوتون لعماد أحمد، وأن «حزب الله لو خاض معركة انتخابية فلن يعمد الى تشطيب الرئيس المفترض ونائبه».