IMLebanon

في تفاصيل .. هامشية!

 

كسرت الكثير من الثوابت والرواسخ العملية التفاوضية العربية – الإسرائيلية التي انطلقت غداة انتهاء الحرب الباردة والسعي إلى إطفاء “معاركها” الكثيرة ومن أبرزها وأولها وأصعبها تلك المتّصلة بالقضية الفلسطينية.

 

كسّرت وعدّلت نظرياً وعملياً.. وفتحت أبواباً واسعة وعريضة للدخول منها إلى عالم آخر لم يكن مألوفاً ولا ممكناً في المخيال العربي العام والفلسطيني منه خصوصاً، بحيث صارت فكرة التسوية خارج سياقات الحرام التام. وأقرب إلى كونها تعبيراً عن واقع أقوى من النكران. وأعمق من نفيها وطمرها تحت أثقال البديهيات المطلقة للعدالة والحق ورفض الظلم واللصوصية السافرة.. وساعد على ذلك تغيير في الأرض واكب التغيير في الرؤى وإن لم يصل ذلك إلى تثبيت انكسار ثقافة القلعة في العقل السياسي (والديني) الإسرائيلي!

 

لكن العملية التفاوضية تلك كانت نصف الحكاية.. نصفها الثاني تبلور وفق القراءات الأولى القائلة بأن إسرائيل تصبح “مقبولة” عندما يسري “مفهومها” الاستراتيجي في جوارها العربي والإسلامي العام. وهذا وفق أنشودة المؤامرة الأثيرة يعني تفتيت ذلك الجوار وتشظيته إلى كيانات طائفية ومذهبية وإثنية متقاتلة ومتناطحة، وتدور في فلكها هي الكيان الأقوى.. تتأثر به ولا تؤثر فيه! وتنشغل بمصائرها وتنسى مصيره!

 

في “التفاصيل” الدقيقة لذلك المفهوم بَنَتْ إسرائيل منشآتها الفكرية البعيدة المدى على “حقائق” أعدائها أكثر بكثير من مقوّماتها وإمكانياتها الذاتية. استثمرت في الديموغرافيا قبل الجغرافيا. وفي طبائع هؤلاء الأعداء قبل تدريع كيانها بالعسكريتارية والتمدّد الاستيطاني.. وليس تخريصاً ولا تخبيصاً الافتراض بأنه خارج الحالة الناصرية، “صودف” أن مركزي الخطر الكبير المحتمل والمفترض عليها، أي سوريا والعراق خضعا لنظامَين اشتغلا بالجميع إلا بها! وقادا بكفاءة لافتة إستراتيجية إعدام أي مقوّمات تهديد لها. وفي ذلك سبق نظام البعث العراقي صنوه السوري بأزمان وأشواط تبعاً لوزن العراق وإمكاناته الأكبر والأخطر من تلك التي في سوريا سوى أن النظامَين تساويا تماماً في حقيقة أنهما دمّرا بلدَيهما تماماً من دون استعادة شبر واحد من فلسطين! وقتلا من العرب والمسلمين والأكراد ما كان يمكن أن يكفي “للزحف المقدس” على إسرائيل عشر مرات وأكثر!

 

حرب العام 1973 كانت تحت السقف وليس فوقه.. والخبريّات والروايات والشهادات الموثقة ليست قليلة ا لعدد ولا الشأن ولا الثقل، وهذه في جملتها تحكي أموراً كثيرة ليس فيها أمرٌ واحد يَطَال “وجود” إسرائيل! أو يُهددها بالعمق! أو يُعيد تشكيل “خريطتها” جغرافياً وبشرياً بالقوة! كانت عند أنور السادات “حرباً” لتحريك العملية التفاوضية لاسترجاع سيناء! أو كما قال هنري كيسنجر لموفد مصري سري آنذاك إنه يحتاج إلى دماء لتشغيل محرّكات وساطته!.. وكانت عند حافظ الأسد من ضمن ذلك المناخ زائداً طموحات باستعادة بعض الجولان إذا أمكن والانطلاق منه.. إلى جنيف!

 

ما كان ينقص هذا المشهد العام إلاّ الدخول الإيراني الصاخب عليه. وهذا في النتاجات الراهنة بزّ كل ما عداه وما سبقه! وما فعله بثقافته المذهبية و”التثويرية” في الجسم العربي والإسلامي إعجازي خالص وما كان لأعتى عتاة الصهاينة في ذروة تجليّاتهم التكتيكية والاستراتيجية أن “يأملوا” بتحقيق جزء منه!

 

ليست حواضر اليمن، ولا بطاح العراق ومدنه وعمرانه، ولا الجغرافيا السورية أرضاً وبشراً ودولة ومؤسسات، ولا الاستثمار في التنوع اللبناني سلباً.. ولا إشاعة الفتنة المذهبية على وسع أرضها من أفغانستان إلى شواطئ المتوسط مروراً بالخليج وصولاً إلى المغرب العربيّين.. ليست تلك كلها وما هو أكثر منها، سوى روافد صبّت جناها في النهر الإسرائيلي حتى فاض “خيره” وطفح!

 

.. زيارة إلى عُمان أو إلى غيرها، صارت تفصيلاً على هامش الصفحة! لا يُعدّل في متنها شيء ولا يزيد ولا ينقص، بل يدلّ على واقع ما كان له أن ينضج لولا مساهمة “ثقافة” الممانعة فيه وبأريحيّة عزَّ نظيرها!

 

علي نون