Site icon IMLebanon

في اليمن الصعب..

 

لا يقاتل أهل المشروع الإيراني في اليمن ضدّ جماعات «تكفيريّة» و«إرهابية»! ولا يدّعون حماية «مقامات مقدّسة»! ولا حفظ «المقاومة» وخطوط سيرها وامتداداتها الإقليمية ودروب دعمها! بل يقاتلون أهل اليمن من أجل السلبطة عليهم، والإمساك بدولتهم، ومؤسساتهم الشرعية. ثم استخدام ذلك كلّه لأهداف وغايات، أكبر من اليمن وحدوده وإمكاناته، وعلى حساب دولته تلك ومكوّناته!

أي إنه قتال استحواذي تغلّبي قهري تقوم به جماعة أقلّوية لا تشكّل نسبتها سوى خمسة أو ستة في المئة من عموم اليمنيين. وتسعى إلى التسلّط على الغالبية الكاسحة من خلال العنف وآلياته وطرقه وتنظيماته، لكن بعد إضفاء صفة «الشرعية» عليها، وإلباسها لبوس «الدستور» وحواشي القانون واستخداماته.

وهذه أمثولة تتكرر على مرّ التاريخ. وربما يكون «البلاشفة» الروس في بدايات القرن العشرين أول من أعطاها بُعداً مؤدلجاً تحت عنوان «العنف الثوري» الذي يختصر الكثير من الطرق الموصلة إلى السلطة. و«يكثّف» حركة الزمن. ويقدّم «حلّاً» نهائياً لكل معضلة! وجواباً عن كل سؤال عويص.. وتكفي في ذلك، نواة صغيرة مسلّحة ومنظّمة وشديدة البأس والتركيز والدأب وطول الأناة، ومستعدّة على الدوام للذهاب إلى الآخر واستخدام العنف البلاغي والعملي، وضدّ القريب (الحزبي) بداية قبل الذهاب إلى البعيد الآخر (وغير الحزبي)!

هي ذاتها الأمثولة التي اعتمدها التكارتة في العراق مع صدام حسين في «البعث»، من خلال جهاز «حُنين» بعد «الحرس القومي». ثمّ من خلال الأطر «الشرعية» أكان على مستوى الحزب أو على مستوى الدولة.. وهي ذاتها الأمثولة التي اعتمدها حافظ الأسد مع العصبة العسكرية التي تشكلت في زمن المنفى المصري وعادت إلى سوريا وبدأت رحلة الصعود إلى الإمساك بالحزب بداية ثم بالدولة تالياً!

العصبة الحوثية اعتمدت تكتيكاً أوسع مدى من الإطار الحزبي الضيّق. وانطلقت من موروث لم يكن غريباً عن الحكم أيام المرحلة «الإمامية». ومن تراكم نزالي بلغ مداه أيام محاربة قوات عبد الناصر وعبد الحكيم عامر في مطالع الستينات، قبل الصدام الحديث نسبياً مع «دولة» علي عبدالله صالح وعلى مدى ثماني جولات.. كانت آخرها بالأمس، في صنعاء!

على أنّ الفارق بين الأمس واليوم، هو أنّ الجماعة الحوثية صارت حاضنة تامة لنفوذ إيراني طارئ وغريب حتى بالمفهوم المذهبي! وتحوّلت بسرعة إلى رافعة محلّية لذلك النفوذ وعلى أسس تبادلية زبائنية بحيث يُقايَض الدعم المفتوح بالمال والسلاح و«الخبرات الصاروخية»! بتسليم طهران ورقة الادعاء بامتلاك «الورقة اليمنية» وضمّها إلى مخزون مشروعها العدائي إزاء المنطقة العربية والإسلامية في الإجمال!

.. لكن اليمن الذي عصي على عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بالأمس، عصيّ على الإيرانيين وأتباعهم اليوم. ومعركة صنعاء دلّت وتدلّ على انحدارهم وليس صعودهم. فهم قاتلوا وقتلوا من مكّنهم أساساً من الدخول إليها. فيما سعيهم في سائر أنحاء اليمن كان انتهى في المحافظات الجنوبية، قبل أن يتقلّص في الشمالية وينحسر إلى العاصمة ومسقط الرأس في صعده!

نهاية علي عبدالله صالح المشابهة في الشكل لنهاية معمّر القذافي، لن تنهي مأزق الانقلاب الإيراني بقدر ما ستعمّقه. بحيث أنّ تغييب «الشريك» قتلاً لن يغيّب أنصاره وقواته وقبيلته. ولن يفعل سوى رنّ جرس الإنذار بصخب أكبر، عند كل القوى والقبائل التي كان «يمون» عليها الرئيس المغدور، والتي في جملتها أخذت تتلمّس مخاطر التفرّد الحوثي، وأثمان الارتماء في الحضن الإيراني بما عناه ويعنيه ذلك من حروب داخلية وخارجية لم توفّر لا «القريب» ولا «البعيد»! ولم تجلب لليمن سوى بؤس مضاعف ومعاناة لا سقف لها!.