IMLebanon

في الأبعاد الآنية والمستقبلية لأحداث عرسال هل تتغيّر خريطة المشهد… ولمصلحة مَن؟

تتوقف اوساط قريبة من “حزب الله” عند أبعاد حادث التفجير اول من أمس في عرسال وما تلاه من استهداف الجيش في المنطقة اياها أمس من الزاوية الميدانية والخلفية الاستراتيجية البعيدة المدى.

فحادث التفجير الانتحاري المدوي هو الاول من نوعه منذ ان وقعت البلدة القصية تحت هيمنة قوى ومجموعات التمرد السوري على انواعها، فضلا عن انه وفق تلميحات المتصلين بالبلدة، تعبير عن صراع كان مكتوما بين تنظيم “داعش” من جهة وخصومه من جهة اخرى، ولا سيما الخصم الالد “جبهة النصرة”، خصوصا بعدما وضعت المعلومات المتسربة مسؤولية الحادث على عاتق “داعش”.

وان صح هذا الاحتمال فمعناه ان تنظيم “داعش” دخل بشكل او بآخر في مرحلة إرهاب خصومه ومنافسيه بحيث يجعلهم يقبلون هيمنته على البلدة البقاعية وما تمثله من حيز جغرافي له ميزات استراتيجية كونه عقدة التواصل والاتصال ونقطة تماس على الحدود اللبنانية – السورية الساخنة.

ولهذا الامر في نظر الاوساط عينها ما يبرره بالنسبة الى “داعش” التي باتت في الآونة الاخيرة، لا سيما بعدما اعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الفائز للتو في الانتخابات النيابية في بلاده انه وطن نفسه على تجريد حملة عسكرية ترمي الى توجيه ضربة قاصمة الى “داعش”، وفي الاطار عينه بدأت سلطات بلاده حملة اعتقالات ودهم لتفكيك بنية هذا التنظيم المتشدد في داخل الاراضي التركية وفي مناطق حدودية مع سوريا.

ومع ان البعض يعد ذلك نوعا من رد الجميل للولايات المتحدة التي أمنت فوز حزب أردوغان في الانتخابات الاخيرة، فالواضح ان هذا القطب التركي قد ولج فعليا هذه المرة مرحلة التحلل من شبهة العلاقة والارتباط بهذا التنظيم الذي وضع على كل لوائح الارهاب العالمية في مقابل دعم مجموعات سورية اخرى مثل “جيش فتح” و”احرار الشام” و”جند الاقصى” وسواها.

الى ذلك، من المعلوم ان “داعش” تلقى اخيرا ضربات متعددة في كل المواجهات التي خاضها مع الجيش السوري، ولا سيما على طريق حلب الدولي مما احبط محاولاته لمحاصرة المدينة الثانية في سوريا.

وفي الحصيلة ثمة من يرى ان تنظيم “داعش” بدأ ولوج عتبة التكيف مع مرحلة جدية بمواصفات مختلفة عنوانها توسيع هامش المناورة وتوسيع اماكن انتشاره وتموضعه حتى لا يأتي حين من الدهر ويجد نفسه وقد فرض عليه حصار من كل الجهات ولا يجد ناصرا ينصره، او بمعنى آخر يجد نفسه وقد صار “كبش فداء” مرحلة جديدة في الصراع السوري.

والواضح بحسب اداء هذا التنظيم منذ التفجير الانتحاري الذي استهدف ما يسمى “هيئة علماء القلمون”، ثم استهداف وحدات الجيش اللبناني أمس، انه قد صار في صدد ادخال تغييرات في خريطة المشهد في عرسال على نحو يرمي الى تعزيز حضوره في هذه البلدة التي لم تكن في يوم من الايام البيئة الحاضنة او المؤيدة له سواء وسط مخيمات اللاجئين السوريين في البلدة او في وسط سكان عرسال نفسها، في مقابل الضغط على خصومه لكي يحسبوا له حساباً، او لكي يدخلوا معه في عهد جديد على نحو لا يتصرفون معه وكأنهم هم الحاكمون والقابضون على زمام الوضع وهو في موقع الخاضع لشروطهم.

اضافة الى ذلك يبدو ان “داعش” صار يحتاج الى عرسال بعدما نجح اخيرا في السيطرة على بلدة مهين السورية المتاخمة للقلمون ولبلدة القصير استناداً الى اعتبارات وحسابات عسكرية.

وبناء على هذه القراءة المبنية على معلومات، فان الحادث الانتحاري في عرسال وما تلاه لم يعد بالامكان اعتباره حادثا عابراً مقطوع الجذور ولا ينطوي على ابعاد آنية ومستقبلية. فالحادث اعاد ولا ريب عرسال الى واجهة الحدث مجددا واعاد الى الاذهان الوضع الخاص لهذه البلدة التي ظلت على “حد السكين”، مما آثار في حينه جدالا وسجالا واسعا وعمق من تناقضات الوضع الداخلي، لا بل كان السبب الاول في تفجيرها في بعض الاحيان ولا سيما بعد السيارات المفخخة في الداخل وبعد حادث خطف العسكريين اللبنانيين وقتل عدد من رفاقهم في محيط البلدة، وفي اعقاب الكلام الذي اطلق من اكثر من جهة عن وضع البلدة ولا سيما كلام الوزير نهاد المشنوق المتكرر على ان البلدة صارت محتلة وخارج نطاق السلطة الشرعية.

وهكذا، فان حادث التفجير ومن ثم مهاجمة الجيش طرح السؤال واثار الهواجس مجددا عن احتمال سعي بعض القوى الى تغيير “دور” البلدة ووظيفتها في خريطة الصراع الاقليمي المحتدم واعادتها لتكون بؤرة توتر وتصادم مع اكثر من جهة وفي اكثر من اتجاه خدمة لاهداف متعددة ربما من بينها الضغط على الداخل اللبناني مجددا وحرف مسارات الاوضاع فيه.

في اي حال لا يمكن مقاربة الحدث العرسالي المتجدد من باب انه وجه من وجوه الصراع المستديم بين المجموعات المسلحة السورية والجماعات اللبنانية الدائرة في فلكها، فالحادث له ولا شك تتمات وذيول وهو سيزيد وطأة الضغوط على البلدة وسكانها الذين اضطروا طوعا او قسرا الى تحمل الكثير والى الدخول في مواجهات وصراعات مع محيطهم منذ ان الحقت البلدة بالصراع الحاصل في الساحة السورية وتعامل معها البعض على اساس انها قاعدة خلفية من قواعد هذا الصراع الدامي والعصي على المعالجة، ولفت الانظار مجددا الى احتمالات الوضع في البقاع الشمالي برمته بعد اشهر ظن البعض خلالها ان صفحة التوتر والتفجر والاحتقان في هذه المنطقة قد انطوت او انها على الاقل قد ابتعد خطرها.