في كثير من الحالات يصبح تجاهل الشر خيراً أكبر من ذلك الشر.. والدراية عدّة العالِم وزوّادته، وسنده الأول في سعيه إلى الابتعاد عن الاستفزاز، وجعل أعصابه في مركز الركن الأول للعقل.
أحدهم يوم أمس، حاول أن «يشتري» مشكلة كبيرة ولم تظبط معه.. مارس عدائية الاستنفار العصبي في وقت حرج وفي غير موضعه. ونظّم عراضة استفزازية مزدوجة (ومدروسة) تبدأ في قاعة مجلس الوزراء وتمتد إلى الشارع المحيط، وخاب رجاؤه في المكانين.
لم ينتبه إلى العنوان الذي توجّه إليه بحثاً عن البضاعة (المشكلة) التي يطلبها: لا تمام سلام بيّاع مشكلات وأزمات ولا قائد الجيش أيضاً. بل العكس تماماً بتاتاً. ولولا ذلك لدبّ الهمّ في الركب، وغاص الناس في لجّة القلق، وراحوا بعيداً في الخشية من الأسوأ.
المعضلة في الباحث عن الشر، أنه مخلص لطبعه وطبائعه. لكنه، على عادته، مايسترو ممتاز في فتح المعارك الناقصة، ثم في خسارتها. ولأنه كذلك فإن السهام التي أطلقها ارتدّت إليه بسرعة البرق، بحيث إن أحداً، أياً يكن، بما في ذلك أخلص حلفائه وخلّانه، لم يجاره في صلافة اتهام شخص مثل تمام سلام بأنه «داعشي»! ولا في استمرار التطاول على قيادة الجيش واتهامها بأي غواية أو نقص، أو تقصير.. أو بمخالفة «الدستور»! والقوانين المرعية في الجمهورية ككل وفي المؤسسة العسكرية تحديداً.
ولأنه «دقيق» في حساباته، فإن توقيت معاركه التي يفتحها، يشبه، في المحصّلة، المسرح الذي يختاره لتلك المعارك!.. وفي «حالته» المستعصية، يصبح الأمر منطقياً ويتناسق مع حسابات الجمع والطرح وخلاصات المنطق الصحيح. حيث يستحيل أن تنفصم شخصية هذا النوع من «الأفذاذ» الألمعيين. كأن يقدّم مقاربة صحيحة في مكان خطأ. أو أن يختار المكان الصحّ لمقاربة خطأ، بل إن التلازم حتمي في المكانين طالما أن المصدر واحد!
يذكّر ما فعله ويفعله، بقصة ذلك العصبي الذي يتمنطق مسدساً محشواً، والرصاصة دائماً في بيت النار، وعندما قرّر مرّة أن يستعرض عصبيته، أطلق النار.. على قدمه!
صاحبنا العصبي عندنا يختلف قليلاً: يستعرض بعضلات غيره ويستقوي بسلاح حليفه. لكنه يتوافق مع الحالة السالفة لجهة أنه عندما أراد هو شخصياً، وحده، أن يلعب بالنار، أحرق أصابعه! ومع أن صراخه ملأ الدنيا، فإن أحداً في واقع الحال، لم يلتفت إليه سوى من زاوية مساعدته على تلقي العلاج! مع أن أهم علاج لحالته، هو التجاهل التام.. وفقط ذلك!