IMLebanon

في التوقيت المزدوج..

 

في بديهيات السعي الكردي الى الاستفتاء على الانفصال عن الدولة العراقية، أنّ التوقيت ملائم ومناسب. وإن الفرصة الراهنة يجب أن لا تُفوّت وهي المتأتية عن انشغال الكلّ بالكلّ نتيجة المعمعة الفتنوية الضارية بهمّة المشروع الإيراني بداية، ثم غَرَضيّة كل صاحب غرض في الاستثمار بدماء العرب والمسلمين.. ثم تمرّس القيادة في كردستان في إدارة الإقليم بنجاح معقول، وفي ظل «استقلالية» أكبر عملياً وواقعياً، من حدود الحكم الذاتي المنصوص عنه في الاتفاقات مع بغداد!

ومن حق مسعود البرزاني أن يقطف ثمرة أينعت بغير جهده ورعايته وسقايته. وأن يرى المشهد المتهتك المحيط به وقد بلغ ذروته أو يكاد: ضعف الدولة المركزية في بغداد. وانشغال الأتراك بالنكبة السورية. والإيرانيون مثلهم وأكثر. وانشغال الروس بترسيخ عودتهم الصاخبة الى المنطقة (والعالم) من خلال البوابة السورية. فيما الأميركيون يلهجون بـ»الحرب على الإرهاب»، وينكفئون عن كل ما عدا ذلك! ومعهم الحلفاء التاريخيون والأبديون في أوروبا.. وأن يفترض (البرزاني) أنّ ذلك كله وغيره أكثر منه، هو أمر غير مسبوق في التاريخ الحديث. ومن قلّة التدبير والحصافة، أن لا يُؤخذ كما هو باعتباره «أسباباً موضوعية» تكمل نضوج «الأسباب الذاتية» للوصول الى خلاصة (رهيبة): قوننة واقع الحال القائم منذ انهيار الدولة البعثية – الصَدّامية. وإشهار الانفصال كبداية لإعلان «الاستقلال» وإخراجه من ذوات الصدور. وتحقيق الحلم الدائم والعزيز بقيام «دولة الأمّة الكردية».

على أنّ ذلك المشهد العام على واقعيّته الصلبة، يبقى ناقصاً تتمتّه الحتمية: ذروة مأساة الحق الكردي، هي اصطدامه بـ»حقّ» كل دولة معنيّة به باعتبار سيادتها مقدّسة. وحدودها مثلها وأكثر! واستقرارها الداخلي مربوط بإحكام فولاذي لا يصدأ، بوحدتها الكيانية. وذلك صنو «الأمن القومي» الذي تهون في سبيله، الكبيرة والصغيرة.. الأرواح والدماء والرخاء والقوانين والدساتير والحريات الفردية والعامة وفوقها ومعها وقبلها وبعدها، الارتكابات الناسفة لشرعة حقوق الإنسان بكل عناوينها وتفاصيلها!

كان ولا يزال، أمراً غريباً أن لا ينتبه البرزاني وقادة كردستان في الإجمال، الى استحالة الفصل بين إعلانهم «العراقي» وتوابعه الإيرانية والتركية. وأن يتم تجاهل شراسة (لا تحتاج الى أدلة عليها!) دول الجوار، إزاء محاولات إيقاظ الإثنيات والعرقيات العابرة الى دواخلها وخصوصاً من جهة المكوّن الكردي صاحب «القضية» المتفجرة والدائمة والملازمة لنشوء واكتمال تلك الدول.

والمفارقة، أن «التوقيت» الذي اعتبره البرزاني مناسباً وملائماً لإطلاق الاستفتاء، هو ذاته الذي تعتبره إيران وتركيا عاملاً كافياً في ذاته لدقّ نفير الاستنفار والتصدي للطموح الكردي: إيران المتوجّسة من عودة صادراتها إليها! ومن تدفيعها أثماناً داخلية موازية لجموحها الخارجي! ومن معاملتها بالمثل لجهة العبث بمكوّناتها الفسيفسائية مثلما تعبث هي بمكونات غيرها. أو تحاول ذلك! وتركيا التي يصحّ الافتراض، أن أبرز قضيّتين انشغلت بهما منذ قيام الجمهورية الحديثة في العام 1923 على أنقاض بقايا السلطة العثمانية، هما العلمنة والأكراد! والمهجوسة راهناً بمخاطر استهدافها وإسقاط تجربتها، والمنخرطة في ضوء ذلك، في توترات خارجية، قريبة وبعيدة، من سوريا الى أوروبا الى واشنطن، وبشكل غير مسبوق منذ أواخر أيام تلك «السلطنة»!

وليس صعباً، تبعاً لذلك، توقّع هبوب إعصار دموي ناري على كردستان وطموحاتها! وخصوصاً من جهة الإيرانيين والعراقيين.. وأن يتطور ذلك الى محاولة تقويض ما هو قائم الآن بالفعل، خصوصاً إذا لعبت إسرائيل مع الكرد الدور الذي لعبه «الارهاب» مع الغالبية السورية وأهل السنة العراقيين، أي تقديم المزيد من التبريرات لارتكاب مذبحة تامة!

.. بالأمس، ناشد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، رئيس كردستان مسعود البرزاني، قبول الوساطات الدولية وتجنيب العراق أزمات جديدة.. وهي مناشدة صادقة وثابتة في حرصها على الكرد والعراقيين في الاجمال، وتنطلق من هذا الجذر وليس من محاولة استغلال الموقف (مثلاً) طالما أنّه يضرّ بإيران… وحبّذا لو تُسمع تلك المناشدة.