تطفئ حكومة الرئيس تمّام سلام شمعة الذكرى السنوية الاولى لتشكيلها الاحد المقبل في ١٥ شباط، أي غداة إحياء ذكرى مرور العقد الاول على اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ١٤ شباط، بما يفتح باباً لتداخل الخلاصات والمواقف والانفعالات ايضا بين هاتين المحطتين. بطبيعة الحال ليس هناك اي ترابط بين المناسبتين إلا من زاوية مصادفة الموعدين والتاريخين، ولكنها تغدو اكثر من مصادفة زمنية متى امكن النفاذ من المناسبتين لاثارة احدى أهم الإشكاليات والمسائل التي تعني لبنان ضمن الواقع المتفجر في المنطقة وهي مسألة الاعتدال الاسلامي حصراً.
في هذه اللوحة الملتهبة للمنطقة قد تغدو صورة الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري مختلفة لبعضنا عما يُحضَّر للذكرى. ذلك ان افضل ما يمكن ان توفره الذكرى للبنان الراهن والمقبل هو اعادة الاعتبار بالكامل لخط الاعتدال الذي مثله وأطلقه الرئيس الحريري وتركه إرثاً لمريديه وطائفته وتياره. ولا يتصل الامر بإعادة الاعتراف لصاحب الذكرى بهذا النهج وصوابيته من زوايا الدين والسياسة والاجتماع فقط بل بحاجة لبنان المتعاظمة والمتدحرجة الى تثبيت هذا النهج والتعلق به اكثر فاكثر حتى ولو بمعزل عن الأشخاص والفئويات والجهات التي ترفع لواءه. لذا ترانا نعتقد انه قد يكون بأهمية ما سيعلنه الرئيس سعد الحريري في ١٤ شباط المقبل وربما اهم مما سيعلنه ان يسبق خطابه او يواكبه فريق ٨ آذار تحديداً في اعلان شرعة اعتدال تعترف للرئيس رفيق الحريري وتياره وللذين يمضون على نهجه بأنه استشهد على خط الاعتدال بالاضافة الى الأبعاد الاخرى السيادية. فهل هذا كثير؟
أما في ما يتصل بذكرى ولادة الحكومة “الجامعة”، فان حماية الاعتدال نفسه، الذي كان البعد الاساسي الذي جاء بها قبل سنة، بات الآن في مهب يتهدده عبر غرقها في ملابسات الحكم. انه بعد آخر لا يقل خطورة عن تجويف مفهوم السلطة التنفيذية وفصل السلطات من خلال تحويل مجلس الوزراء الى مجلس رئاسي يحظى فيه الوزير بحق الفيتو ويشل القرار الحكومي ويعلق الجمهورية العالقة أصلا على درب صليب الازمة السياسية والرئاسية حتى إشعار آخر موصول بالصفقات الدولية والاقليمية. ولا ترانا في حاجة الى مزيد من الشرح والتفسير حيال اخطار تفشي التطرف ما دامت حكومة نسيت مهمتها الأصلية وارتفع الغبار على مهمتها الاولى المناطة بها من خلال حماية البلاد في فترة انتقالية بعدما أغرقتها يوميات اللهو بالصلاحيات الممعنة في الحلول مكان الرئاسة بوحول المناكفات والمكايدات والمزايدات. ولعله بات من الضرورة الماسّة تذكير من يتعين تذكيرهم بأن لا شيء يحفز التطرف اكثر من سلطة فقدت بوصلتها وتفرق جمع من تجمعهم أمام شهوات الشخصنة وتحكيم الاهداف الآنية للنيل من حكومة أطلقت على نفسها تسمية حكومة المصلحة الوطنية.