أيام قصيرة فقط، كانت مطلوبة قبل أن تخرج الكتلة النيابية لـِ«حزب الله» ببيانها الحاكي عن «تمسّك اللبنانيين بوحدتهم ورفضهم للإملاءات الخارجية».. ثم العودة إلى الذمّ بدول الخليج العربي واتّهامها المبطّن «بدعم الإرهاب» الذي لم يخدم في الخلاصة، إلاّ إسرائيل!.. ثم الردّ على الدعوة إلى تثبيت سياسة النأي بالنفس، بتثبيت الانتماء والولاء لـِ«محور المقاومة على امتداد الجغرافيا الإقليمية المستهدفة» والذي «أنقذ البشرية من ويلات المشروع الإرهابي التكفيري».. هكذا بالحرف!
والأيام القصيرة تلك، كانت مطلوبة افتراضاً، علّها تجنّب الكتلة الحزبية حرج التناقض بين تنظيراتها والواقع المنشاف والواضح لعموم البشر.. كأن تتحدّث (مثلاً!) عن رفض «اللبنانيين» الإملاءات الخارجية بعد ساعات قليلة على إعلان قائد «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال محمد علي جعفري، أن نزع سلاح «حزب الله» «غير قابل للتفاوض». ونقطة في آخر السطر!
لم يقل الجنرال الإيراني كلمة واحدة تدلّ من حيث الشكل على الأقل، إلى أنّه «يعترف» بوجود لبنانيين آخرين في لبنان غير «حزب الله» وعندهم رأي آخر في الأمر! أو أنّ هناك سلطة شرعية معنيّة ببلدها وأمنه وقوانينه! أو أنّ هناك «حواراً» يجري التحضير له لفكّ عُقد الأزمة السياسية الراهنة! أو حتى أن يترك الموضوع برمّته في عهدة حلفائه حاملي ذلك السلاح! والذين في الأصل والأساس وبطبيعة الحال، لن يختلف موقفهم عن موقفه على الإطلاق!
وحده من طهران وبشفافية تامّة، أعلن أنّ «القرار» في شأن ذلك السلاح هو في طهران وليس في بيروت.. ومع ذلك خرجت الكتلة بالأمس لتحكي عن «تمسّك اللبنانيين برفض الإملاءات الخارجية»!
ولم تكتفِ بذلك، بل ذهبت مباشرة ومسبقاً الى توضيح رؤيتها العميقة لمبدأ «النأي بالنفس»، والقائمة على «بديهة» الاصطفاف الطليعي في «محور المقاومة على امتداد الجغرافيا الإقليمية» بكل ما يعنيه ذلك من تتمّات واستطرادات هي تحديداً أبرز أسباب المحنة السياسية – الحكومية الراهنة، وأخطر الأسباب المؤدية الى احتمال إصابة «كل اللبنانيين» بتداعيات كبيرة ومؤذية.
ما يقوله بيان الكتلة النيابية لـِ«حزب الله» هو أنّ الحزب غير معني (سلفاً) بأيّ نقاش لبناني يمسّ «ثوابته» الإيرانية وتماهيه التام بالمحور «الذي أنقذ البشريّة»!
وهذا المحور «بجميع قواته الحليفة والرديفة» هو الذي انتصر على «المشروع الإرهابي التكفيري» الذي صبّت كلّ فظاعاته «في خدمة المصالح الإسرائيلية» ووفّرت «الظروف المؤاتية لتطبيع علاقات دول إقليمية (…) مع الكيان الإرهابي الصهيوني»..
لكن الغريب، أنّ أساطين «القوات الحليفة والرديفة» هذه، أي الروس تحديداً، لديهم رأي آخر! وترجموه ميدانياً على مدى العامَين الماضيَين في سوريا نفسها! قبل أن يؤكد وزير الخارجية سيرغي لافروف، منذ يومين فقط، أنّ رئيس سوريا السابق بشار الأسد «هو أفضل ضمانة لإسرائيل»!
.. المطلوب، بعض الخفر، وفي الشكل فقط!