قد تكون تداعيات الأحداث في المنطقة اليوم، في إتجاه التطورات الى الإستقرار النسبي، باعتبار أن الإستقرار الثابت يستغرق سنوات وعقوداً طويلة… قد تكون تلك التداعيات، اليوم، أشد خطورة مما هي عليه في إشتعالها.
قبل إتجاه الأحداث الى خواتيمها كان الباب مفتوحاً أمام الرهانات كلها. يومها كان باب الإجتهادات (والتوقعات) مفتوحاً على الكثير من التمنيات والأحلام. أمّا اليوم فالأمور بلغت حدّ كشف الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وبالتالي لا يمكن أن يأتي ذلك من دون نتائج قد تكون بالغة الخطورة.
هذه الحقيقة لا نظن أن كثيرين من السادة الأفاضل الذين يتولون شؤوننا في السلطة أو خارجها، أو في الجانبين معاً، يدركونها، أو إذا أدركوها فلا نظن أنهم تحوّطوا لها التحوط الكامل الذي يقي لبنان مندرجات هو في غنى عنها بكل تأكيد، ليس فقط قياساً الى وضعه الهش والدقيق، بل أيضاً الى كونه لم يبرأ بعد من آثام الأحداث التي عصفت به في العام 1975 ولمّا تزل تنيخ بأثقالها الكبيرة والمدمرة عليه.
إن في لبنان، اليوم، فرصة نادرة، ونأذن لنفسنا بأن نزعم أنها فرصة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى. فليست مجرّد مصادفة أن يكون في سدة الرئاسة رئيس للجمهورية جاء من قاعدة شعبية صلبة وعقد تحالفات مع «الأضداد» كلهم، إذا جازت التسمية.
وفي التفصيل، ليس بسيطاً أن يكون الرئيس القوي وصل الى الحكم نتيجة أسباب ودوافع عدة، بما فيها سلسلة تحالفات كبيرة عقدها مع الطيف الكبير الآخر في طائفته (الدكتور سمير جعجع) ومع المرجعية الشيعية الأكبر (حزب اللّه وأمينه العام سماحة السيد حسن نصراللّه شخصياً)، ومع القيادة الأكبر في الطائفة السنية (الرئيس سعد الحريري)، ومع تفاهم، إن لم يكن تحالفاً، مع القيادة الدرزية التاريخية والمعاصرة: الأكبر في طائفتها (زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي الوزير وليد جنبلاط).
إن منطوق هذه التحالفات والتفاهمات يدعو الى التساؤل الكبير عمّا إذا كانت العراقيل التي تقف في وجه تشكيل الحكومة هي جدّية أو إنها مصطنعة، ومهما كانت، ولـمّا كان البلد «يتسع للجميع» كما قال ويقول سيّد العهد، فإن أضعف الإيمان هو العمل المثابر على توسيع مروحة المشاركة في الحكم، مع إحترامنا للمبدأ الديموقراطي البدهي: موالاة ومعارضة.
فالأحداث في سوريا باتت واضحة المعالم، وإن كان من المتعذر الإدعاء، إنها آيلة الى نهاية حاسمة في الأسابيع والأشهر المقبلة، إلاّ أن ما بعد حلب لن يكون مثل ما قبلها. ولا بدّ من أن يأخذ السادة النجباء هذا التطور الاستراتيجي في الإعتبار، فيكفوا (كما المؤسسين الكبار) على تدبير أحوالهم بما يجعل لبنان محصّناً إزاء المستجدات وتداعياتها التي ستكون كبيرة من دون أدنى شك.
فهل سيفعلون؟
هل يتخلون عن الأنانيات والطموحات، بل المطامع؟
إنهم أمام الإمتحان الكبير. وعساهم يفلحون.