أطلقت معركة فك الحصار الحلبية سراح المنطق من أسره، ووضعت طموحات الايرانيين وملحقاتهم الاسديين في بداية طريق نازل باتجاه واحد.
كان صعباً ولا يزال وسيبقى، قبول أو استساغة أي حرف من بيان ايران وميليشياتها لتبرير الاحتشاد في مواجهة الشعب السوري، والإمعان في قتله. والتشاوف في ذلك باعتباره «واجباً مقدساً» تفرضه تارة قراءات غيبية يختلط فيها الموروث الشعبي بالتنزيل الديني، وتارة حسابات جيوسياسية منطلقة من اعتبار «المرشد الاعلى» المحافظة على بشار الاسد «مسألة شخصية». ومصيره «خط أحمر».. وما الى ذلك من هوامش على النص، لا تفعل سوى اضافة مزيد من الاستغراب إلى مدى «تجرؤ» (كي لا يقال شيء آخر!) واضعيه وأصحابه.
وكان صعباً ولا يزال وسيبقى قبول أو استساغة تلك العملية التزويرية الخطيرة الخاصة بـ«الارهاب» وجماعاته. وسريانها بطريقة غريبة في مدوّنات وقراءات وصياغات وبيانات الدول المنخرطة في «الحرب العالمية» على الارهاب! وفي مقدمها الولايات المتحدة وادارة اوباما. والى جانبها على الضفة الأخرى من نهر الاحزان والبلف الهادر هذا، روسيا وادارة فلاديمير بوتين وما بين الاثنين من حكومات ودول لا تجد امامها سوى تقديم اوراق اعتمادها الى نادي المتضررين من «داعش» واطنابه!
والتزوير المقصود، هو الركون الى مقولة صارت شبه حاسمة، تفيد بأن كل المناوئين لبشار الاسد، ارهابيون تكفيريون، من دون أي تمييز! وان ايران وتوابعها هم جزء من الحرب على ذلك الارهاب! وان هناك بالفعل «حرباً»! وعالمية! وتشارك فيها اقوى جيوش الارض، لكنها تبقى اعجز من لجم بضع مئات، او ألوف من «الدواعش» المحتشدين ما بين الموصل والرقة!
تحت هذه العناوين العريضة للفضيحة، ارتقت وتيرة الحرب غداة بدء «عاصفة السوخوي» في ايلول الماضي.. حتى صار واضحاً ان الجماعة الايرانية الاسدية تسابق الزمن على الارض، لاستثمار «فرصة اوباما» قبل انتهاء زيتها ووقتها، وتسجيل حقائق ميدانية كبرى، واضافتها الى الرصيد الذي بدا انه اكتمل او يكاد مع كل صولة «قلق» يبديها جون كيري لنظيره الروسي سيرغي لافروف، إزاء «ارتفاع» عدد الضحايا من المدنيين جراء الغارات الجوية! أو من استهداف المستشفيات والاسواق الشعبية! أو من عدم ممارسة «ضغط كاف» على الاسد كي يكف او يخفض مستوى استهدافاته للمناطق المحررة! أو الخارجة عليه وعن سلطته!
بدت امور سوريا في الاشهر الاخيرة وحتى إعلان محاصرة حلب بعد اسقاط طريق الكاستيلو، وكأنها بلغت ذروة الانحطاط في منطق القيم ومنظومة العدل والجور، وتأكيد سطوة الشر في حسابات الدول ومصالحها.. حتى اكتمل اندحار الحق او كاد، وصار شعب سوريا فائضاً لا مكان له في ارضه، طالما انه في جملته، ارهابي مباشر، او بيئة حاضنة للارهاب!
صعب افتراض، ان معارك الراموسة عدّلت كل ذلك المسار، لكنها فعلت ذلك! وبواقعية مفاجئة لكل الناس ومنهم في الطليعة مؤيدو ثورة السوريين في ارضهم، بحيث انها اجهضت مسيرة الايرانيين والاسديين لاستثمار ما تبقى لادارة اوباما، وقطعت حيلها وحبلها قبل ان تصل الى «اسقاط» حلب وجعلها امثولة وعنواناً لسقوط الثورة وأهلها مرة واحدة وأخيرة! واطلقت في المقابل الاشارة الأهم والأخطر على عقم الرهان الممانع على حسم عسكري وعلى فرض وقائع ميدانية مضادة لمنطق «الحل السلمي» وشروطه!
معركة صغيرة، تقرر مصير حرب كبيرة! ذلك (والله أعلم) ما فعلته موقعة الراموسة الحلبية!