يعود بشار الأسد ليقدم اشارات مختلفة عن تلك التي سرت غداة ذهابه الى موسكو واجتماعه مع فلاديمير بوتين.. وما تلا ذلك في فيينا حيث انعقد اللقاء الرباعي بين وزراء خارجية الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وروسيا.
قوله مجدداً بـ»الحل بعد القضاء على الإرهاب» هو الرديف «الملطّف» لرفضه أي مسعى سياسي يفضي في خلاصته الى إسدال الستار على حقبة حكم عائلته لسوريا.. بل هو التعبير الأكثر كثافة للكيفية التي تنظر من خلالها سلطته الفئوية في دمشق، الى ما يجري منذ اربع سنوات ونصف السنة، والتي يظللها ذلك الشعار الرنان الذي طبّق ويطبّق حرفياً، والقائل بـ»الأسد أو نحرق البلد»!
سيناريوات لقاء موسكو الشهير واجتماعات فيينا، تحدثت عن تطور في موقف موسكو باتجاه البحث عن صيغة تسووية مرحلية تنهي بانتهائها التركيبة الحاكمة راهناً.. وصارت الرواية معروفة ومعلوكة من كثرة التكرار. ومعروف في موازاتها ان الخلاف استحكم بين صاحب العرض الروسي والقوى الاقليمية والدولية المضادة في شأن مدة المرحلة الانتقالية و»صلاحيات» الأسد.. لكن الشيطان الذي يُقال إنه يكمن في التفاصيل، يبدو أنه يكمن في العموميات أكثر!
.. أو هذا ما تؤشر اليه الهلوسات الأسدية المستعادة، والتي لا تختلف اليوم عما كانت عليه منذ بداية الثورة في آذار عام 2011 لجهة اعتبار هذه الثورة نتاج «عصابات وجماعات إرهابية» ووصم كل معارض بـ»الإرهاب».. مع أن ذلك في الإجمال، أدى الى الخلاصات النكبوية والكارثية التي لحقت بسوريا وشعبها وجيشها وعمرانها وبنيانها، والى ضمان ركونها على الهامش لسنوات طويلة آتية.
كأن الامور برمّتها رجعت الى المربع الاول، بل وأسوأ. باعتبار ان المعطى السوري الراهن يختلف عما كان عليه في الأعوام السابقة وخصوصاً بعد التدخل الروسي وما عناه ويعنيه من استدعاءات مقابلة، إقليمية وأميركية.
بعد فشل اجتماع فيينا الرباعي، توقع كثيرون ان يذهب الوضع الميداني الى التصعيد أكثر فأكثر تبعاً لحاجة كل طرف الى تدعيم وجهة نظره السياسية بإنجازات ميدانية. ولكنه تصعيد تحت سقف التسوية المأمولة وليس تحت سقف السعي الى «حسم» أحادي مستحيل من جهة السلطة ومحور الطغاة الذي يحتضنها ويقاتل عنها.. غير ان الحاصل مع التصريحات الأسدية يدل على شيء آخر، هو استمرار العمل بسياسة الأرض المحروقة المتفرعة من جذر «الأسد أو نحرق البلد».
بانتظار «توضيح» روسي ما إزاء تلك التصريحات واحتمالاتها، يبقى الافتراض في مكانه لجهة ذهاب الوضع القتالي الى تصعيد استثنائي.. وهو تصعيد قد يفاجئ موسكو بقدر مفاجأته الأسد وملحقاته الإيرانية، خصوصاً وأن «عاصفة السوخوي» لم تعصف بالأجواء السورية المفتوحة أمام الجميع.. مثلما أنها لم تقفل أيًّا من معابرها البرية!