استناداً الى النظرية «العلمية» القائلة بأن صدقية الاميركيين في السياسة الخارجية، غير المتصلة بإسرائيل، تساوي رقماً قريباً من الصفر المكعّب.. وانهم لا يتوقفون طويلاً أو كثيراً امام الخلطة المترفة الخاصة بالجميع بين الأخلاق والمصالح. واستناداً الى اشياء أخرى كثيرة، منها براغماتية فوّارة إزاء القضايا غير الاستراتيجية، واطمئنانهم الى ريادتهم الاقتصادية والعسكرية والعلمية والى اضمحلال اي تهديد جدي مصيري لهم، والى كونهم لا يزالون مثالاً في الفن والموسيقى وطرق العيش بالنسبة الى الأغلبية الكاسحة من شعوب هذا العالم…
استناداً الى ذلك وغيره، يمكن الافتراض، وبكثير من الحبور المتأتي عن تفاؤل مَرَضي اصيل وليس مكتسباً!، بأن المعادلة الراهنة في المنطقة العربية والاسلامية التي رست عند تسليم واشنطن مفاتيح الحل والربط في النكبة السورية الى الروس، وتسليم ايران مفاتيح تبرئتها من تهم نشر الفوضى والحض على العنف واعتماد خطاب الكراهية والتدخل في شؤون الغير، عدا تبييض سجلها العدلي من ما علق به من ادانات في شأن الارهاب الذي مارسته في اربع قارات فوق هذه الارض في مقابل تصفير مخاطر امتلاكها «القنبلة النووية».. تلك المعادلة التي تبدو راسخة اليوم، قد يتبيّن في الشهر الاول من العام المقبل، انها بُنيت على رمل، وان الادارة الجديدة في البيت الابيض ستفعل مع إدارة اوباما ما فعلته هذه مع إدارة بوش الابن: قلبت عاليها سافلها، ونسفت كل سياساتها الخارجية من جذورها!
الثابت الوحيد، الأكبر من اي محاولة لخلخلته، وغير الخاضع لآلية التغيير المصاحب لتداول الحكم في البيت الابيض، هو ما يُسمى في آليات الدجل الاعلامي وصناعة الرأي العام، «أمن اسرائيل» الذي يختصر وجودها.. دون ذلك من ثوابت، انتهى زمنه مع انتهاء الحرب الباردة وزوال الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي، والتي كانت وحدها مصدر خط وجودي، أو بالأحرى إفنائي، على الولايات المتحدة والعالم الحر برمّته.
أمن الطاقة ومصادرها وطرق إمدادها، يوضع في صدارة الثوابت. وهذا كان كذلك ولا يزال وسيبقى. لكنه لم يكن مرة موضع همّ واهتمام الولايات المتحدة وحدها بل شأن يتصل بمعظم دول الارض. ويمكن الافتراض مجدداً، بأنه اولوية ثابتة عند الجميع ولا يخضع بدوره للسياسات المتبدلة والمتقلبة في واشنطن أو في غيرها ولا لردحيات وتهديدات ايران وتوابعها.
الثابت المستجد، الذي سيورث من ادارة الى ادارة، هو «الارهاب». الذي وان كان لا يشكّل «تهديداً وجودياً لأميركا على ما قال مستر اوباما، فإنه شكّل ويشكّل فرصة اكثر من كونه مشكلة عويصة. بحيث انه عبّأ الفراغ الذي سببه انهيار المعسكر الاشتراكي واندحار كارل ماركس امام آدم سميث، وأبقى صناعة الخوف شغّالة على مداها بما سمح ويسمح لصناعة السلاح بأن تبقى في مركز الصدارة في تشكيل الاقتصاد القومي الاميركي، وفي القرار الخارجي للمتحكّم بـ»البيت الابيض».
.. من الآن حتى خروج (او عودة) مستر اوباما الى إلقاء المحاضرات في الجامعات ومراكز الابحاث، ومتابعة خرائط بناء مكتبة باسمه في شيكاغو، وانكبابه فعلياً على موهبته الاكيدة بالثرثرة وتدوين خلاصاتها في كتاب مذكراته.. فان البلاء الضارب بديار العرب والمسلمين عموماً وبالشعب السوري خصوصاً، سيبقى قائماً قاعداً على ما هو عليه!