IMLebanon

في حارة حريك.. هناك من فاز بالجائزة الكبرى!

لم يكن إثنين ضاحية بيروت الجنوبية مختلفاً عن سواه من الأيام. بقيت شوارع المدينة، التي لا تزال تعيش أجواء عاشوراء، على حالها متشحة بالرايات السوداء.

الشوارع نفسها بدت خالية، لا زحمة سير، ولا اكتظاظ. فرضت عطلة المدارس سهولة التنقل بين منطقة وأخرى. خفتت أصوات أجهزة التسجيل في السيارات، لا لطميات كربلائية ولا أناشيد دينية، حتى عربات بيع الأسطوانات العاشورائية توارت عن الأنظار، وكأنها تداري الحزن بانتظار إعلان «الفرح».

في حارة حريك، يختلف المشهد، «ابن الحارة» ينتخب اليوم رئيسا للجمهورية، هيئة «التيار الوطني الحر» جهدت منذ ساعات الصباح الأولى لاستكمال التحضيرات احتفالا بـ»الجنرال». غابت أجواء الحزن، عمت الفرحة، حتى قبل انقضاء أربعين الإمام الحسين.

في باحة كنيسة مار يوسف في الحارة، تجمع مئات العونيين. «أسطورة طائر الفينيق تحققت بوصولك إلى الرئاسة»، لافتة رفعتها البلدية على جدار الكنيسة. البلدية كانت أكثر الفرحين والمحتفلين بـ«العماد» الذي ولد ولعب وتزوج في الحارة قبل أن يغادرها إلى غير رجعة. فيها دفن أخاه الأكبر أبو نعيم (الياس عون)، وفي شوارعها لعب مع أقرانه، وفيها أيضا كانت له ذكريات مع أهلها.

يتذكر (أبو جو) رجل ثمانيني حين كان الملازم ميشال عون يتردد إلى نادي «جمعية الشباب المسيحي» وفي المبنى كان أخوه يملك ملحمة. ذات يوم تم رمي قرن خروف في الشارع وحدث أن مرت سيارة فوقه فطار القرن ووقع على رأس أحد الجالسين إلى جانب الملحمة فأصيب في رأسه. وقتذاك هرع الضابط عون إلى السائق وحلّ المشكلة قبل تفاقمها.

صغار وكبار، أطفال وكهول تجمعوا في الباحة. تمتزج الألوان ولو غلب عليها البرتقالي. بين الحشود محمد السوري ابن الستين عاما قضى منها 35 سنة في لبنان. يحمل صورة «الجنرال» ويضمها إلى صدره. لا يفقه كثيراً في السياسة اللبنانية، لكنْ لديه مطلب واحد هو إلغاء الإقامات للسوريين.

يدخل شاب باللباس اللبناني التراثي. «شروال» وصورة على صدره، يلفت انتباه الحاضرين، قبل أن يخطف الأضواء منه رجل من ذوي الحاجات الخاصة جاء للاحتفال على كرسيّ نقّال. بين هذين، يطلّ عبدو عون ليتحدث عن صلة قرابته بـ «العماد» وعن أصله وفصله الذي يعود إلى قرية «المكنونية» في جنوب لبنان. وكيف حلّ آل عون في حارة حريك منذ تسعين عاما، وناضلوا لأجل الوطن. في نظره: «كان يجب انتخاب عون منذ زمن طويل لأنه الرجل المناسب. فهو رئيس لكل الشعب اللبناني، وله تاريخ وطني وسيمد يده للجميع. بوجوده سنحظى بالأمن والأمان».

يجول الخوري عصام إبراهيم خادم رعية الحارة في الباحة، يوزع نظراته وابتساماته على المشاركين. يقول: «نشعر بالفخر والاعتزاز بابن الحارة. فهو الشخص الذي بمقدوره أن يؤمن الحرية والاستقلال والعدالة في هذا البلد، لأنه يؤمن بلبنان الرسالة».

بحسب أهل الحارة لا نقاط سوداء في تاريخ «الجنرال». فهو، بحسب إبراهيم، «الضابط الذي خدم وطنه في المؤسسة العسكرية، وهي أعظم مؤسسة في لبنان، وقد أثبت أنه عسكري ممتاز». أما عن الصورة الشهيرة التي جمعت عون بأحد الضباط الإسرائيليين، فيعتبر إبراهيم أن ما أقدم عليه «الجنرال» إنما يدل على «الشجاعة».

منذ سنتين ونصف، ينتظر أبناء الحارة وصول عون إلى الرئاسة. يقول رئيس بلدية الحارة زياد واكد: «فرحتنا لا توصف وأولادها فرحون على اختلاف طوائفهم». يعترف واكد أن لكل رجل سياسي يعمل في الشأن العام إيجابيات وسلبيات، و«من يعمل أكثر قد يصيب ويخطئ أكثر».

تمر الدقائق ثقيلة. لم يعد أحد من الحاضرين ينظر إلى ساعته. تشخص الأبصار باتجاه شاشة كبيرة تنقل عملية الانتخاب بشكل مباشر. ينادي المنادي على أسماء النواب واحداً تلو الآخر. يلفظ اسم الرئيس فؤاد السنيورة والنواب بهية الحريري، سليمان فرنجية، سامي الجميل، فترتفع صيحات الاستهجان، لكن حين يبدأ بترداد أسماء نواب «حزب الله» ترتفع صيحات الترحيب والتهليل، وكأن الحاضرين يدركون جيدا أن كلمة الفصل كانت للحزب في تحقيق الحلم ووصول عون إلى سدة الرئاسة. اما حين المناداة على النائب أسعد حردان، فتجيب امرأة من بين الحضور: «هيدا لهلأ بعد ما رضي؟».

عندما فشل عون بالفوز من الدورة الأولى، ثم حدثت الأخطاء بأعداد المغلفات (الدورتان الثانية والثالثة)، صمت الحاضرون. علت الشتائم وعبّر الجميع عن امتعاضهم. لكنهم صبروا. انتظروا إلى أن حانت اللحظة. حين بدأ فرز الدورة الرابعة تحول الحاضرون إلى عدّاد وما إن وصل عدد الأصوات التي نالها الجنرال إلى 65 صوتاً حتى تغيرت الأحوال وتبدلت. رقص وفرح وأغان وطنية ورصاص لم تمنعه كل الدعوات التي أطلقت سابقاً لعدم إطلاق النار في المناسبات.

معظم الشبان الذين شاركوا في الاحتفال، ومنهم من وضع إكليلاً من الزهر على ضريح «أبو نعيم»، يعبّرون عن تطلعاتهم بمستقبل واعد وحياة أفضل.

بين هؤلاء جميعاً، كان بائع أوراق «يانصيب» يجول على المحتفلين من دون أن يتمكن من بيع أي من أوراقه. مسكين آخر يبحث عن رزق في باحة يعتقد كل من فيها بأنهم ربحوا الجائزة الكبرى بانتخاب عون!