Site icon IMLebanon

في «حزب الله» وغربته..

ليس أغرب من محاولة «حزب الله» التملّص من عواقب مواقفه وادعاء التبرؤ منها، وخصوصاً تلك التي تفرض فرضاً واضحاً الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، سوى تفسير تلك الارتكابات وتحديداً التي تعني التطاول على الدستور وبنوده والأعراف وشروطها وصيغة العيش الوطني وأحكامها ومتطلباتها، على أنها خطوات «إيجابية» ثم مهاجمة الآخرين لأنهم يرفضونها!

كتلة نواب الحزب تهاجم، في بيانها الأخير قبل يومين، الأطراف السياسية المقابلة لأنها لم «تتلقّف» الفرصة التي أتاحتها دعوة السيد نصرالله إلى إيجاد ما سماه «المعالجات للأزمة التي تعصف بالبلاد».. أي أنها تنطلق من فرضية مفادها أن من حق هذا الحزب وحده، أن يحدد مسبقاً من هو رئيس الجمهورية ومن هو رئيس مجلس النواب وأن يظهر بعد ذلك كَرَماً إضافياً من خلال ترجيحه «احتمال» القبول في أن يكون رئيس الحكومة وليد قرار مشترك مع الآخرين!

والمشكلة بالفعل عويصة وتتعلق بالمنطلقات والمفاهيم والرؤى قبل السياسات والعنتريات. بحيث أن «حزب الله» لا يجد مشكلة في كونه ينسف الدستور وبنوده، ويفرض الفراغ في أهم وأول منصب سيادي في الجمهورية. ولا يجد مشكلة في أن يختصر كل مواقف الآخرين وكل الآليات النظامية التي تحدد (ولو في الشكل الدستوري وغير الدستوري) من هو رئيس الجمهورية العتيد، ومن يكون رئيس الحكومة، ومن يُنتخب رئيساً للبرلمان.

والواقع أن «المشكلة» ليست فقط في كون «حزب الله» لا يجدها! أو لا ينتبه لها! بل في كونها غير موجودة أصلاً بالنسبة إليه.. كأنه في غربة عن كل ما له علاقة بالتكوين السياسي والاجتماعي اللبناني، الشرعي القانوني والدستوري، كما ذلك المتعلق بالأعراف المألوفة وبالأسس الأهلية التي يقوم عليها بناء الكيان الوطني.

وذلك في نظر كثيرين، تتمة طبيعية للمنطق الذي يعتمده الحزب المسلح في بيئة مدنية، حيث أنه ينطلق بداية من نقطة مختلفة ويعتمد قياساً خاصاً به غير الذي تعتمده الجماعات الأخرى حتى وأن تشارك معها في المكان والزمان، واختلفت هي معه في الأداء والانتماء والهوى السياسي.

في حالة «حزب الله» أن الاستثناء الذي يعنيه سلاحه ووظيفة ذلك السلاح (المطّاطة في كل حال) يمكن (ويجب!) أن ينسحب على كل مناحي الحضور والحياة، ليصبح هذا الاستثناء الغلط هو القاعدة الصحّ! أي، أن يصبح الحزب هو البديل عن الحكومة. والصاروخ هو البديل عن الصوت الانتخابي. وصندوق الذخيرة هو البديل عن صندوق الاقتراع. والقتال في معركة دموية فعلية في سوريا أو في غيرها، هو الميزان الذي يحدد وزن كل فريق في لبنان! ثم أن يصبح «قرار» الحزب، الخاص والمبني تبعاً لحساباته الإيرانية والإقليمية هو «القرار» العام الذي يجب على «الأغيار» الأخذ به والتصرف في ضوئه وعتمته وإلا وقعت الواقعة، وترنّح البلد برمته على وقع أزمة تلو أزمة وتعطيل تلو تعطيل وفراغ تلو فراغ!

وذلك، في ألطف الأوصاف وأكثرها برودة لا يعني سوى الصلف والاستبداد أو محاولتهما. وفي أكثرها حرارة وغضباً، لا يعني سوى السعي الحثيث نحو إنضاج قوانين الفتن المذهبية والطائفية، وإكمال تأزيم الكيانات المستهدفة من قبل صاحب المشروع الإيراني لضمان استدعائه إلى أدوار كبرى مفترضة! في حال لم يتمكن هو من استدعاء الآخرين إلى مفاوضته كخاطف رهائن، من أجل إطلاق سراح رهائنه! بعد تحديد الأثمان التي يطلبها!

.. يحقّ للبعض في نواحينا، إزاء هذه الوضعية المنحوسة، أن يرى ضرورة حاسمة للعودة إلى لفت انتباه هذا الحزب، إلى أنه لا يعيش وحده في لبنان! وإلى أن اللبنانيين ليسوا كلهم من «أتباعه»! ولا يرون ما يراه! ولا «يشعرون» بما يشعر به! ولا يأخذون بما يأخذه! وإن بديهياته الخاصة هي مجرد خواطر عند غيره! ويقينياته الذاتية هي مجرد أسئلة دائمة عند غيره!

إلى هذا الحد تبدو الهوة الفاصلة بينه وبين غيره.. بل بينه وبين الحقائق التي لا يتعب من محاولة كسرها بالسلاح تارة وبادعاء «الإيجابية» في استبداده تارة أخرى!