قبل ظهر التاسع عشر من تشرين الأول العام 2012 ، هزّ انفجار ضخم أرجاء العاصمة. يومها دخل الجميع في صمت وراحت التكهنات تتحدث حول هويّة الشخص الذي يمكن أن يكون الانفجار قد استهدفه خصوصاً وأن سلسلة من التفجيرات من النوعية نفسها سبق أن استهدفت شخصيّات سياسية وأمنية وعسكرية.
التحليلات والإستنتاجات لم تطل، إذ وبعد أقل من نصف ساعة، أُعلن خبر إستهداف اللواء وسام الحسن بعبوة تفوق زنتها خمسين كيلوغراماً من المواد الشديدة الانفجار، وقد وُصف بالإغتيال الأكبر منذ إستشهاد الرئيس رفيق الحريري خصوصاً وأن الحسن كان يرأس أهم جهاز أمني ليس في لبنان فحسب إنما في المنطقة. وتزامناً، فقد شهد لبنان بعد عملية الاستهداف، مرحلة جديدة من اللاإستقرار الأمني، إذ سقط العديد من الشخصيات السياسية والأمنية بالإضافة إلى محاولات تصفيات جسدية باءت بالفشل.
قبل اغتياله بفترة زمنية قصيرة، أطل اللواء الحسن في شريط مصور بثه تلفزيون «المستقبل» مع مجموعة من ضبّاط «المعلومات» في ثكنة عرمون، ليحدثهم عن إمكانية استهدافه شخصيّاً واستهداف «الشعبة»، ليس بسبب كونها مسيّسة كما يصوّرون وإنما لأنها أصبحت جهازاً أمنياً حقيقياً له دور فاعل وكبير في لبنان. ويومها أكد أن هذا الاستهداف المتعدد وصل الى مرحلة الاستهداف الجسدي، وقد خسرنا بسببه سبعة شهداء، على رأسهم الرائد وسام عيد. وعلى الرغم من أن اللواء الحسن لم يُسمِّ يومها الجهة التي تقف وراء هذا العداء لشعبة المعلومات، إلا انها أصبحت معروفة تماماً ومكشوفة أمام الجميع اللبنانيين.
الهاجس الاكبر الذي كان يستحوذ على فكر اللواء الحسن، كان الوصول إلى نتائج كشف الجهة المتورطة باغتيال الرئيس الحريري، إن على صعيد الشهود أو حتى المتهمين. وكان فعلاً قد توصّل إلى مجموعة قرائن حدّدت هذه الجهة، لكنه في الوقت ذاته، كان يُمارس دوره الأمني في تثبيت عامل الإستقرار في البلد، حيث استطاع على رأس هذا الجهاز إحباط العديد من المخططات منها: تفكيك شبكات تجسس إسرائيلية، القبض على مجموعات إرهابية تتبع لتنظيمَي «القاعدة» و»فتح الاسلام» كانت تنوي زعزعة الامن وإحداث فتن، بالإضافة إلى ما عُرف بشبكة سماحة – المملوك والتي كانت السبب الأساس في إزاحته من الطريق ليتسنّى للعابثين بالأمن النجاح في مهماتهم كونه أضحى يشكل العقبة الاساس في وجههم ومنعهم من تنفيذ مشاريعهم ومخططاتهم الاجرامية.
كل هذه المحطات أو بالمعنى الأصح الإنجازات التي قام بها اللواء الحسن أثرت في أن يكون هدفاً بالنسبة للعدو الاسرائيلي من ناحية والنظام السوري وغيرهما سواء من الخارج ام الداخل من ناحية أخرى. وفي الحالتين، يُمكن التأكد أن عملية إغتياله كانت محطة فاصلة في الحالة السياسية التي وصل اليها لبنان لا سيما بعد التداعيات التي مرّ بها ولفترة طويلة، لا سيّما من الناحية الأمنية والتسيّب المقصود الذي كان قد حصل، خصوصاً وأن الحسن لم يكن بعيداً عن الكثير من المعلومات التي يتم التحضير لها لاستهداف سياسيين وأمنيين وعسكريين لبنانيين، بالإضافة إلى كونه الأكثر إطلاعاً على ملف «شهود الزور» والفبركات التي تفنّن بها النظام السوري وحلفاؤه لحرف الأنظار عن المتهم الحقيقي في «جريمة العصر».
كل من عاصر الشهيد الحسن في حياته، من أصدقاء وأقارب، جميعهم يؤكدون أن الرجل كان يتخذ في حياته جميع الاحتياطات الأمنية والتمويهات في المواكب بالإضافة إلى السريّة البالغة التي كان يعتمدها في تنقلاته، ويُشدد هؤلاء على أن كل هذه الاحتياطات، جعلت منه الرجل الذي لا يُمكن اغتياله بسهولة، خصوصاً وأنه في كثير من الأحيان كان يصِل إلى منزل أو مكتب صديق، في توقيت كان يختاره هو من دون تحديد موعد مسبق، وكثيراً ما كان يُفاجئ حتّى أشد المقربين اليه بمثل هذه الزيارات. وبناء على هذه المواصفات التي تمتّع بها في حياته، يُمكن الجزم بأنّ عملية إغتياله قد جرى الإعداد لها بطريقة منظمة ومحترفة بين رصد ميداني وتحضير، إضافة إلى توزيع عناصر المراقبة على الطرق التي يمكن أن يسلكها، وهذا أمر بحاجة إمّا إلى أنظمة وأجهزة أمنية كبيرة، أو إلى جهة محلية كانت أم خارجية، مُحترفة.
قبل أن يُغتال، كان وصل حجم الشهيد الحسن الأمني، إلى مستوى بارز جعل من اسمه مُتداولاً به بين أهم الدول لدرجة أن لبنان صُنّف في في حينه، من بين أهم أربع دول في الشرق الأوسط على هذا الصعيد. لكن وعلى الرغم من الاحتياطات التي كان يتخذها وعلى الرغم من تمكن شعبة «المعلومات» من كشف العديد من العمليات التي كانت في صدد استهدافه، إلا أن الشهيد ومرافقه المؤهل الأول أحمد صهيوني، كانا في يوم استهدافهما على موعد مع القدر. بكل تأكيد هي ضربة قاسية لا تُعوّض أرادت من خلالها الجهة القاتلة، قطع رأس جهاز كان يقف بالمرصاد لكل محاولات القتل والاجرام والإرهاب وجعل لبنان ساحة لتصفية الحسابات عن طريق الاغتيالات الجسدية. ومع هذا ظل اسم وسام الحسن يتردد حتّى اليوم في عالم الأمن وسيظل اسمه يؤرق مضاجع القتلة سواء كانوا أحياء أم قتلى.
في سرد سريع لبعض ما كان تحدث به اللواء الشهيد خلال الشريط المصور المذكور أمام ضباّط «الشعبة»، يقول: «الاستهداف المعنوي، وفي بعض الأحيان الاستهداف السياسي الذي تعرضنا له، ليس لأننا مسيّسون، هذا ليس صحيحاً، وأنتم تعرفون، فأنتم ضباط الشعبة من كل الفئات وكل الطوائف، إننا بحياتنا لم ننفّذ عملاً مسيّساً من 2006 وحتى اليوم». وواصل كلامه موضحاً: «إن أسباب الاستهداف أننا أخذنا دوراً أمنياً حقيقياً وحجماً حقيقياً بالبلد، وهذا الدور هو الذي كان مرفوضاً وممنوعاً علينا».