IMLebanon

في مكرمة التواضع!

 

كأنّ أهل التركيبة الاستنفارية المستدامة في إيران وجدوا في سوريا أخيراً، الشمّاعة التي يمكن أن يعلّقوا عليها كل مثالبهم وخطاياهم. ويردّون إليها حصراً، كل الأسباب التي أوصلتهم إلى الحيطان والزوايا المقفلة، وجعلتهم يواجهون في الداخل ما حاولوا أن يعوّضوا عنه في الخارج.

 

«والقلّة تولّد النقار» على ما يقول المثل اللبناني الدارج! غير أنّ قلّة الإيرانيين من النوع المركّب. وهي توليفة راهنة يقرّ بها أهلها قبل سواهم، تشتمل على أزمات اقتصادية ومالية وتنموية، وإساءة الحكم، واستشراء الفساد، و«صرف النفوذ»، واستغلال موارد الدولة لحسابات شخصية وذات صِلة بتدعيم الإمساك بالسلطة ومراتبها ومؤسّساتها… ثم تغليف ذلك برمّته (أو بالأحرى ربطه) برؤى مؤدلجة مشوبة بتناقض غريب. بحيث أنّ البعض «يشتغل» لتحضير العدّة لعودة الإمام الغائب! وفي الوقت نفسه «يشتغل»على الأرض لتمتين فكرة الدولة «المحورية» و«القطبية» في محيطها بداية، ومنه إلى «العالمية»! مع ما يعنيه ذلك من إيثار «البقاء» على «الفناء» والدنيا على الدين، والواقع على الغيب!

 

وليس أمراً هيّناً أو بسيطاً أن تصير الأدوار الخارجية موضع ذمّ وتعيير متبادلَين بين المتخاصمين الإيرانيين! بدلاً من أن تبقى فحوى مزايدة قومية اعتزازية أكبر وأشمل من «الأمور الخلافية» المحلية، وخارج سياق تراشق التهم بالمسؤولية عن التقصير التنموي الخطير والأزمات التي تكبر ولا تصغر تبعاً لإرتباطها المُحكم ببورصة أسعار النفط والعقوبات الخارجية، في دولة تدّعي أدواراً كبرى وعظمى، وتلهج بخطاب اكتفائي إستقلالي وسيادي فريد من نوعه!

 

لم يعد أحد يسمع ذلك النوع من المزايدات المحلية ذات الأبعاد الخارجية والتي (للمفارقة) دفعت الرئيس الإصلاحي حسن روحاني إلى استعارة لغة أخصامه المحافظين والتفاخر بأنّ «لا شيء يُقرّر» في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والخليج العربي وبعض دول شمال أفريقيا، «من دون إيران»!

 

ولم يعد أحد يسمع تلك الردحيات اللاغية للحدود السيادية، الخارجة من جنرالات «الحرس الثوري» والتي وصلت تارة إلى اعتبار جنوب لبنان «حدوداً لإيران». وتارة أخرى إلى التشاوف بالسيطرة على أربع عواصم عربية! بل وصول الأمر بأحدهم إلى مكاشفة شفّافة مفادها أنّ حرائق الجيران «تحمي الداخل الإيراني» وأن حزام الوقاية هذا يمتد على مسافة ألفي كيلومتر من حدود جمهورية «الولي الفقيه»!

 

منظومة الفشل هذه التي اصطدمت بتردّدات سياساتها في شوارع المدن الإيرانية ومن قبَل جمهورها الأساسي المفترض، تتصرّف بهلع وكأنّها اكتشفت مبادئ الرياضيات للتوّ! وانتبهت إلى أنّ الطموحات الكبرى المستندة إلى إمكانات متواضعة تولّد الإفلاس! وإن مقوّمات «العظَمَة» في عالم اليوم تحتاج إلى ما هو أكبر بكثير من الشحن التعبوي القومي والمذهبي، ومن توليد وتصدير الفيالق الجهادية «والثوريّة». وافتعال الأزمات في الجوار، وإشعال الحرائق في أثواب الغير، والاستناد الدائم إلى الغيبيّات في يوميّات البشر!

 

ليس «الغدر» الروسي، ولا خصال بشّار الأسد المُكتشَفَة حديثاً! ولا «خيانة» حركة «حماس» (على ما ورد في صحيفة «قانون» أيضاً!) هي التي أوصلت إيران إلى الحائط، بل ذلك النهج الشديد الأنانية والتطرّف المتّبع منذ سنوات والمحكوم بالمكابرة والغلوّ والانفعال والافتعال.. والذي سبّب الويلات والمآسي أينما حلّ في الخارج قبل أن يبدأ رحلة العودة إلى الداخل!

 

كان يمكن (ولا يزال ممكناً) أن يتواضع أصحاب القرار في إيران في طموحاتهم. ويتركوا ما لله لله! وما لعبادِهِ لعبادِه! ويكفّوا عن سياسة الخلط العجيب بين الدورَين والأمرَين والشأنَين خصوصاً في هذا العالم المليء بأدعياء القربى «الحصريّة» من ربّ العزّة والجلالة! وبالعارفين «الوحيدين» بالطرق الفضلى إلى السماء!