الحوار المكسور مع «حزب الله» سيبقى مكسوراً. فيه عطب أصلي عصي على التصليح والتجبير، وينطلق من الاساس قبل ان يصل الى الفرع: هذا حزب لا يحاور انما يبلّغ. ولا يجادل إنما يأمر. ولا يطرح رأياً إنما يقينا.. وميزانه لا يشبه الا موازين امثاله الخلاصيين الموصولين مباشرة برب البشر من دون البشر.
بيانه جاهز ولسانه ولاّع. إذا شعر بالخسارة أمطر «الأغيار» بالتهويل والتهديد. واذا شعر بالحرج أمطرهم بالشتم والاهانة، واذا اشكلت معه في المنطق والحجة استعان فوراً بمخزونه الديني ورماه كمقدس لا يمسّ.
في زبدة أمره، ان ثقل حديده يمنعه من السير الطبيعي بين الناس. وثقل نصّه يمنعه من الاعتدال في السياسة والاجتماع ومرادفات الحياة. وكثرة احماله تجعله ينوء ويشطح.. إصراره على سيرته لا يفاجئ أحداً. لكن المعضلة عند «الاغيار» تكبر عن معدلاتها فور ذهابه الى خارجها. والى محاولته لبس أثواب لا تناسب قياساته. أي أن يدّعي رغبته في الحوار! وان يقول في ذلك ما يقوله غيره! ثم ان يتجاهل في تفاصيل طروحاته، ان مشكلته هي مع حاله بقدر ما هي مع ذلك الغير: مضطر للحوار لكنه لا يعرف كيف يحاور! ولا يريد ان يحاور! وبدلاً من الانكباب على ذاته لتعديل الاداء، يصعّد النبرة واللهجة والطرح والطلب حتى يُكمل عدّة التعجيز لدى الآخرين!
وفي أساس أمره، انه الهي وغيره بشري. وروحي وغيره مادي. ومسلّح مدرّع وغيره مدني مكشوف. وقبل ذلك كله، انه دائماً على حق وغيره على باطل.. وفي فرعيات أمره، انه لا يستطيع ان يستوعب كيف «لأهل الباطل» إدعاء اي حق! وكيف لأهل الخطيئة السياسية ان يتمترسوا عند مواقفهم بتلك الصلابة والصلافة!
هكذا مثلاً، لا يتورع أحد من وجوهه القيادية عن ابداء كل ذلك العجب من رفض «الفريق الآخر» الاذعان لارادته هو في الموضوع الرئاسي. او لسياساته هو في النكبة السورية. او لمواقفه هو في كل شأن عربي: يَفْجُرْ في أحاديته ومحوريته وارتباطاته ثم يستغرب ويستنكر كيف يرفض الآخرون مرشحه لمنصب رئيس جمهورية لبنان! يفجر في التعرض لقبلة الاسلام وأكثرية المسلمين ثم يستهول كل رد فعل عليه! يزايد حتى على أهل بيئته في العراق ويضع نفسه في موضع الأعلم منهم بمصلحتهم، والأفهم منهم بأوضاعهم! يحلّق بعباءة «الولي الفقيه» فوق حرائق تمتد من اليمن الى سوريا، ثم يتحدث «بكل صدق» عن «تبعية» الآخرين في الداخل اللبناني للخارج! تتشاوف ايران بأدوارها ونفوذها في كل ركن فتنوي مشتعل في الجوار العربي، لكنه يشتم ضحاياها العرب. ويتهمهم بكل جور. ويأخذ عليهم تمسكهم بأرضهم وسيادتهم وقرارهم وطريقة عيشهم وحقهم.. ثم يعيّر غيره في لبنان بـ»فشل» رهاناته السياسية على سقوط الطاغية في دمشق، ويتجاهل هزائمه النكبوية في حماية ذلك الطاغية وصولاً الى استدعاء «عاصفة السوخوي» الروسية!
.. الفظيع في هذه السيرة، ان أصحابها لا يزالون يتحدثون عن الحوار!