مرَّ كلام علي أكبر ولايتي مستشار «المرشد الأعلى» في إيران، عن استعداد بلاده «لاستضافة» بشار الأسد كـ»بطل» من دون أن يلفت أنظار جماعة الممانعة المحلية.. تماماً مثلما تمرّ هذه الأيام، أخبار الغارات الإسرائيلية المتتالية والمتصاعدة على مواقع وقوافل ومخازن «حزب الله» في الداخل السوري من دون أن تحظى بأي رد فعل، أياً تكن طبيعته، حتى من قبل الحزب نفسه!
كلام ولايتي هو الأول من نوعه منذ بدء النكبة السورية. وأهميته كبيرة لأن قائله يُعتبر من أبرز مستشاري خامنئي. ولا يمكن اتهامه «بـ»الاجتهاد» الشخصي، ولا بكونه من الفريق الآخر «المعارض» أو «الإصلاحي» الذي لم يخفِ ولا يخفي تبرّمه الشديد من أكلاف الموقف المؤيد للطاغية الأسد، مادياً وبشرياً.. وبالتالي، فهو كلام يمثل أوضح إشارة ممكنة الى تسليم طهران أخيراً بعقم سياستها السورية، وباستحالة تحقيق أي «انتصار إلهي» في هذه النكبة المفتوحة.
والأمر مألوف في المسار الإيراني، وخصوصاً على مدى العقود «الثورية» الأخيرة. والذي يمكن الإشارة إلى إلفته، باختصار شديد، من خلال واقعتي حرب الخليج الأولى مع صدام حسين و»حرب» المشروع النووي. وهما اللتان كلفتا إيران أثماناً خرافية من دون مردود مواز. ومن دون تحقيق «الانتصار» في الأولى، ولا «الإنجاز» المأمول في الثانية.
والنكبة السورية هي ثالثة الأثافي! وكثيرون كانوا ولا يزالون «مؤمنين»، بأن طهران ستحصد فيها ومنها الزوان وليس القمح. وانها ستنتبه في «اللحظة المناسبة» الى أن الشطارة في التكتكة لا تكفي وحدها للوصول في الاستراتيجيا الى أي مكان! وان خريطة العالم الواقعي ليست معملاً لحياكة السجاد! وان التعبئة المستندة الى القومية أو الدين أو الإثنين معاً، لا يمكن أن تكون بضاعة مسجلة باسم «الولي الفقيه» حصراً! وأن الدنيا لا تؤخذ بالصراخ! وأن للجنّة المشتهاة مفاتيح (مدّعاة!) كثيرة وليس مفتاحاً واحداً ممهوراً بختم مصنوع في قمّ! مثلما أن «الفئة الناجية» هي الأنشودة المثلى لكل مقدّس من أول الأرض الى آخرها، ولا يمكن جهة واحدة أن تدّعي احتكارها!
.. كان يمكن لهذه الكارثة أن تُشذّب بعض الشيء! وبما يخفف من أكلافها البشرية والمادية والضميرية والأخلاقية لو أن صاحب القرار الإيراني التفت الى الأرض أكثر، ولم يستمر في ادعاء احتكار السماء!
كان يمكن، في الحرب الأولى مثلاً (العراقية) أن يقتنع «قائد الثورة» الإيرانية بالتسوية عندما عُرضت عليه ويتجنب لاحقاً شرب كأس سم الهزيمة، ويجنّب بلاده والعراقيين والعرب والمسلمين أجمعين، سنوات إضافية من العبث الدموي المستحيل، سقط خلالها عشرات بل مئات الألوف من الضحايا، وسُجّلت فيها خسائر مادية مهولة! وكان يمكن لـ»المرشد» قبل «اتفاق فيينا» بسنوات، أن ينتبه الى استحالة قبول العالم، كل العالم، بامتلاك نظامه في وضعيته «الثورية« المعروفة، وفي امتداداته وارتكاباته وبياناته وأيديولوجيته المعلنة والخفية، سلاحاً إفنائياً شاملاً من طراز «القنبلة النووية»! ولكان جنّب نفسه وبلاده كل تلك الخسائر المادية وكل تلك الحروب والمعارك والبلايا السوداء، التي لم توصله في كل حال، حتى الى وضعية دولة مثل باكستان!
.. كان يمكن لصانع القرار الإيراني، أن ينتبه منذ الأيام الأولى للنكبة السورية، الى «حقيقة» الثورة الشاملة على نظام الأسد! وإلى كونها في أمكنة كثيرة أساسية، شبيهة بـ»الثورة» على الشاه! مع فارق تفضيلي للمثال الإيراني.. والذي يعرف رواد الثورة عليه، انه كان قادراً بجيشه وأجهزته على تدمير إيران وتخريبها والتسبب بقتل مئات الألوف من الإيرانيين، لكنه لم يفعل شيئاً من ذلك كله، على العكس تماماً بتاتاً من بشار الأسد في سوريا ومع شعبها المنكوب!
وكان يمكن لصانع القرار الإيراني، أن يخفف من غلوائه قبل الآن، طالما تيقن بالملموس الدموي الكارثي، انه غير قادر على إعادة الأمور الى الخلف أو لجم ثورة السوريين وإنهائها أو إعادتهم الى قمقم السلطة المافيوزية الفاسدة الفئوية.
.. لكن إذا كان وصول إيران الى الاقتناع بـ»استضافة» الأسد، كلّف نحو أربعمئة ألف قتيل وتشريد عشرة ملايين سوري وتدمير البلاد من أولها الى آخرها وفتحها بهذه الطريقة أمام روسيا من جهة وإسرائيل من جهة ثانية.. فكم سيكلّف تنفيذ قرار «الاستضافة» ذاك فعلياً؟!