ليس أسوأ من مدوّنات تبرير الإرهاب الدموي المتمنّطق نصّاً دينياً، سوى ذلك الغارف من المعين الانتهازي للنظام الممانع.
.. كأن تربط تلك الفذلكة بين تنامي الظاهرة الارهابية التكفيرية في البيئة الاسلامية نفسها، وتوسّع ممارساتها باتجاهات غير مسبوقة الى خارج تلك البيئة وخصوصاً الى اوروبا (الغربية)، وبين أداء سياسي مباشر للأنظمة القائمة في الدول المستهدفة إزاء النكبة السورية (تحديداً) وصولاً في اسفل الصورة، الى إظهار شماتة رخيصة بالحدث الجلل وبالدم المهدور وبالصدمة الضاربة اطنابها في المجتمعات المنكوبة.
وتلك ثقافة مافيوزية بامتياز. تستخدم العبث والعدم في موضع تبرير عبثها وعدميتها.. تستعير من الابرياء صفتهم وكأنها في ذاتها وأدائها وطقوسها الاجرامية بعيدة عن الادانة، وتختلف في طبيعتها عن طبيعة الجماعات التكفيرية والفظاعات المتفرقة التي ترتكبها داخل البيئة الاسلامية وخارجها.
في النصف الثاني من الشهر الماضي، ارتكب العدميون مجزرة مروّعة في بيشاور الباكستانية وقتلوا 130 طالباً لم يتجاوز عمر أكبرهم الخمسة عشر عاماً.. أُرجعت المذبحة الى السياق الذي صار مألوفاً! منذ الحوادث الجسام التي وقعت في 11 ايلول 2001 في اميركا.. ولم تكن تلك المجزرة في الواقع إلا كذلك. أي من داخل ذلك السياق المتصاعد والمتنامي والذي قدّمت ممارسات «داعش» في العراق وسوريا، دفعاً اضافياً له عموماً، والى المجرمين الباكستانيين خصوصاً.
في المقاربة العامة، أمكن وضع تلك المذبحة في إطارها العبثي القاعدي المستدام والداعشي المستجد. وزادت عليها القراءة الآنية الرابطة بين تنامي ظواهر النكبة السورية ونكوص القوى الغربية الكبرى عن التعامل معها بطريقة حاسمة.
هوية الضحايا في بيشاور حدّدت تلك الاستنتاجات وبعض القراءات. لكن هوية الضحايا في باريس أخذت ماكينة النظام الممانع الى نواحي البؤس في التحليل والى الشماتة الرخيصة، والى جعل المذبحة الجديدة جسراً انتهازياً جديداً للعبور فوقه نحو تقديم أوراق إعادة التأهيل مجدداً في الجسم السياسي الدولي.. والطبيعي!
«ثقافة» برّرت وتبرّر قتل أطفال الغوطة الدمشقية بالغازات السامة تريد ان تقول انها جزء من المنظومة المستهدفة بالقتل التكفيري. في الأمر بلف كبير وتزوير أكبر: المجرم الذي نكب ملايين السوريين اسوأ بملايين المرات من المجرم الذي نكب الفرنسيين بـ13 ضحية بريئة! والمجرم الذي دمّر دولة مثل سوريا اسوأ بألف مليون مرة من المجرم الذي استهدف عاديات العيش وانماط الإبداع في قلب العاصمة الفرنسية! والمجرم الذي وازى نفسه وبطانته بعشرين مليون سوري اسوأ بعشرين مليون مرّة من المجرم الذي قتل 130 طفلاً في بيشاور و13 صحافياً ورجل أمن في فرنسا!… والمجرم الذي يصادر كتاباً ويمنع عرض فيلم سينمائي ويسجن فتاة حضرت مباراة رياضية لا يختلف عن ذلك المجرم الذي استهدف مطبوعة ساخرة في عاصمة غربية.
المافيا في مكانها الممانع.. الأخلاق في مكان آخر. وأي نفاق؟!