Site icon IMLebanon

في إدلب وأثمانها

 

ما يجري في إدلب راهناً، فيه شيء من التجارة القائمة على «الثقة»: تدفع المعارضة السورية «الأساسية» وداعموها الإقليميون، ثمناً لـ«بضاعة» ستصل لاحقاً!

والثمن المدفوع سلفاً هو ضرب جماعة «النصرة» المصنَّفة إرهابية في سياق الحرب القائمة على الإرهاب، لكن المردود المأمول (؟) هو العودة، بعد الانتهاء من هذا الفيلم كله، إلى البحث في الجذر الأول للنكبة السورية والمتمثّل برفض أكثرية السوريين بقاء حكم الطغمة الأسدية. والضرورة التي لا مهرب منها لإنتاج «حل سياسي»، استناداً إلى هذه القاعدة الماسيّة التي لا تُفنى!

قبل ذلك المردود الاستراتيجي، هناك شيء عاجل: البعض يفترض أن لإدلب وأهلها والنازحين إليها، وهؤلاء في جملتهم صاروا في حدود الثلاثة ملايين سوري (في المدينة وأريافها)، كانوا أمام خيارين واضحين: إمّا التعرُّض للتدمير، مثل الموصل وشرق حلب تحت ستار وشعار ونار الحرب على الإرهاب، وتُوضع المحصلة في كيس «انتصارات» إيران وأتباعها في دمشق وخارجها! وإمّا أن تتولى المعارضة المسلّحة (المعتدلة!) وبدعم تركي مهمّة القضاء على «النصرة» بما يسمح بترسيخ تفاهمات (أو اتفاقات) آستانة في شأن المناطق الآمنة، ويفتح تالياً الطريق للعودة «بهدوء» إلى جنيف بحثاً عن «الحل السياسي».

لكن الواضح حتى الآن، هو أن إدلب مثل كل مدينة عربية إسلامية أكثرية، تدفع فاتورة حرب على إرهاب، كانت هي أكبر ضحاياه أساساً! بعد أن دفعت قبلاً أثمان المشاركة بالثورة على حكم آل الأسد. والمعضلة (المفترضة) هي أن «اليوم التالي» غير واضح وغير مضمون! و«البضاعة» المدفوع ثمنها ذاك سلفاً، قد لا تصل قريباً! عدا عن أنه لا يمكن التيقّن من جودتها التامّة: الأميركيون يراوحون في دائرة مقفلة بعنوان مزدوج هو القضاء على الإرهاب، والتصدّي لنفوذ إيران! والروس يراوحون عند الجزء الأول من هذا العنوان وإن خفّفوا من غلوائهم القائل بأن «كل المعارضة إرهابية»! والأتراك من جهتهم يتحرّكون وفق «ثوابت غير ثابتة»، أي يهمّهم أمنهم الحدودي الاستراتيجي وعدم تمكين الأكراد من التواصل الجغرافي على طول تلك الحدود. ويطوّعون مواقفهم تبعاً لذينك الهدفَين الكبيرَين.. والخلاصة، أن أحداً لا يكشف أوراقه الأخيرة المتعلقة بطبيعة التسوية المأمولة!

تحت هذا السقف الملتبس، يدَّعي أهل المحور الإيراني «الانتصار»! أو بالأحرى، يفترضون أن خلاصات وتفاهمات آستانة أدت إلى تقليص مناطق سيطرة المعارضة بكل أنواعها. وأن ذلك لا بدّ أن يُترجم في جنيف. وأن ترسم خطوط «الحل» باعتباره صك استسلام لتلك المعارضة، ولا شيء آخر!

.. وذلك بالتأكيد ما لن يتم: ستنتج معارك ادلب والرقّة ودير الزور قضاء على «داعش» و«النصرة» لكنها لن تجلب لمحور إيران إقراراً من أحد بـ«الانتصار»، بل العكس هو الأرجح. بحيث أن هذه المعارك تعني نجاج عملية الفصل بين المعارضة والإرهاب! وهذه في ذاتها نكسة كبيرة لكل «منطق» ذلك المحور، ولا بد أن تلحظ في «الأوراق الأخيرة» الخاصة بأي تسوية.. إذا جاءت!