«أجمعت» قراءات الممانعين لغارة القنيطرة على اعتبارها حماقة إسرائيلية، لا قبلها ولا بعدها. وأن أثمانها وتداعياتها ستوصل الطقم الإسرائيلي السياسي الأمني العسكري الحاكم راهناً الى الندم. تماماً (وتقريباً) مثل الطقم الذي قَادَ حرب العام 2006.
والمضمر في هذا الاستشراف الفذّ، هو أن الردّ على تلك الغارة سيؤكد حماقتها وليس الغارة في ذاتها. أي سيكتشف الإسرائيليون نهم وقعوا في جبّ للدبابير، وأخطأوا في ضربتهم، ومرّوا ثقالاً فوق الخطوط الحمر.. وهم في كل حال، أرسلوا إشارات بهذا المعنى عندما سرّبوا قصّة جهلهم المسبق بهويات أعضاء الموكب الذي استهدفوه في القنيطرة! علماً أن ذلك ليس سوى استدراج خبيث للرد، من خلال الإيحاء بلحظة ضعف أو استعارة مقولة «لو كنت أعلم»!
في العموم، لم يؤدِ «الذكاء» الممانع في مواجهة «الحمق» الإسرائيلي الى أي شيء تغييري حاسم. لا في خريطة إسرائيل ولا في إحياء الواقع العربي وإخراجه من غيبوبته الفتنوية التي دمّرت حتى اليوم أربع دول عربية وإسلامية، من دون أن نشهد تقدّماً ولو بشبر واحد باتجاه الحق الفلسطيني المقدس!
.. هذا في العموم، أما في المجال المباشر الخاص باللحظة، فإن حديث «الحمق» يأخذنا الى أبعاد حسّية أكثر متانة من الظاهرة الصوتية.. أي الى المقارنة، المؤذية والولادة للقنوط والأسى، بين حالنا الممانع «الذكي»، وحال المعتدي الإسرائيلي «الأحمق». وفي ذلك، على سبيل المثال، أن «الحمق» الإسرائيلي في العام 2006 أوصل الى تنفيذ مطالب وشروط كانت مطروحة قبل تلك الحرب، وقبل تدمير أكثر من مئة وخمسين ألف وحدة سكنية لبنانية وتهجير مئات الألوف من أهل الجنوب، واستشهاد المئات من اللبنانيين والمقاومين عدا عن جرح الآلاف.. أي أن القرار الدولي 1701 جاء غداة «الانتصار» الإلهي في تلك الحرب، وفَرَض فرضاً ما كان مرفوضاً سابقاً: دخل الجيش اللبناني الى الجنوب مصحوباً بالآلاف من الجنود الدوليين، وركبت معادلة هدوء لم يسبق لها مثيل منذ العام 1948!
اليوم تكرر الظواهر الصوتية الممانعة النقر على ذلك الدفّ مجدداً: تدخل في قراءات مهتاجة هيّاجة، مُفترضة ومُشتهاة، وتتجاهل الوقائع الصادمة: تتحدث بضراوة عن فتح جبهة الجولان وتتغافل عن أن إيران منخرطة حتى النخاع في فتح جبهة مفاوضات مع الغرب (وأميركا)، وأن هذه تفرض شروطها: مثلما لا يريد (الغرب) ازعاجها بتغيير الوضع السلطوي السوري (بسرعة)، فهي (إيران) محكومة بعدم إزعاجه في المقابل، وتحديداً وخصوصاً عند «حدود» إسرائيل.
تستطيع إيران أن تنخرط ميدانياً في اليمن والعراق، وأن تلجّ بنفوذها في لبنان عبر «حزب الله».. وأن تدفع ما تدفعه وتفعل ما تفعله في سوريا، لكن ليس مسموحاً لها أن تقترب، ولو مجرّد اقتراب، من «حدود إسرائيل» في الجولان!
المصيبة مع خطاب الممانعة هو أنه أسير أنشودة بلاغية منخورة لا تستطيع أن ترى الحقيقة كما هي: أربع سنوات، وإيران ومحورها يغرفان من معين «ذكائهما» ويدبّان في النكبة السورية وفي فتنة إسلامية لا سابق لها!، فيما إسرائيل غارقة في «حمقها»، تتفرج وتشارك في إحصاء الضحايا.. العرب والمسلمين! وجلّ شروطها، أن لا تقترب النار منها، ولو عن بُعد!
أي «حمق» إسرائيلي؟! وأي «ذكاء» ممانع؟!