Site icon IMLebanon

في إيران.. وترامب!

 

ليس لهذه الضراوة في الردح الإيراني – الأميركي الراهن سوى نهاية (أو تتمّة) ميدانية ما! بل يخال كل من يرى ويراقب ويَعدُّ المواقف المعلنة على الجانبين، أنّ الأمر صار «شخصياً»، أكثر من كونه صراع سياسات وإرادات وحسابات واستراتيجيات ومصالح دول صغرى وكبرى!

 

في ذلك شيء يشبه ما جرى بين الرئيس دونالد ترامب وصنوه الكوري الشمالي كيم جونغ أون. إن كان لجهة شخصنة الكلام (المتبادل) والتهتّك في المواقف والتسابق في مسرحة الأداء من قبل «الزعيمين» وبما يتلاءم مع طبع كلٌّ منهما وطبيعته، أو كان لجهة البُعد الجدّي المتصل بالمضمون. حيث وضع الطرفان سلفاً سقفاً للمناورات الصدامية من خلال اعتماد واشنطن لغة مزدوجة مختصرها الجزرة والعصا، واعتماد بيونغ يانغ وسيطاً بحجم الصين، معني بالتأكيد بعدم حصول صدام إفنائي عند حدوده!

 

ترامب الآن يعتمد الشكل ذاته تقريباً مع إيران: يزاوج بين التهديد الجدّي للغاية والحقيقي التام، ولا يناور ولا يمزح ولا يتزحزح، وبين الإعلان تكراراً أنه يريد «اتفاقاً جيداً» بديلاً عن الاتفاق الكارثي الذي وضعه وصنعه سلفه السيّئ الذكر باراك أوباما.. ومثله من جهة طهران التي تقول كلاماً كبيراً، لكنها «تُمرّر» مواقف صغيرة عبر موسكو تحديداً! وعبر غيرها بحثاً عن «تسوية» ما تُجنّبها الأسوأ!

 

لكن أوجه الشبه لا تتخطى الشكل بين الحالتين الكورية الشمالية والإيرانية، ولا تصل إلى حوافي المضمون! حيث الملف الإيراني مُثقل في خزائن الإدارات الأميركية المتعاقبة من أيام جيمي كارتر أواخر العام 1979، إلى أيامنا هذه مع دونالد ترامب. وفي أوراق ذلك الملف حكايات كثيرة تمتد من بيروت و«المارينز» والرهائن والإرهاب وتصل إلى الأمن والاستقرار الإقليميَين والدوليَين وما يندرج في هذه الخانة من أدوار وأدوات «تخريبية» تحفّزها طموحات ذات أبعاد إلهية تامّة!

 

ومشكلة كوريا الشمالية مخنوقة في حيّزها الجغرافي إذا صحّ التعبير، وعلى الطريقة الألبانية أيام الحرب الباردة.. نظام ستاليني مقفل معني بحاله ومثاله ولا يهتم كثيراً أو قليلاً بـ«تنوير» العالم! ولا بـ «تثويره» ولا بـ«خلاصه»! سوى أنّ الدنيا انقلبت وتغيّرت وهو بقي في مكانه. وكان يمكن أن يستمر ذلك إلى أبد الدهر لولا أن «الموضوع» النووي خارج منظومة دول القانون وآليات الرقابة الأممية المباشرة، لا يمكن التهاون فيه. ولا قبول خضوعه لإرادة نظام الشخص الواحد والقائد الواحد والحزب الواحد، والمزاج الواحد!

 

وأقصى الحالات الخارجية لنظام كيم جونغ أون لا يتعدى التفتيش عن العملة الصعبة في أسواق السلاح، وتحديداً في الشرق الأوسط! وخصوصاً في إيران وسوريا وليبيا أيام القذافي، حيث تباع وكانت تباع، الصواريخ وتقنياتها وبعض «الخبرات النووية» في مقابل الدولار، والكثير منه!

 

ثم أن هناك راعياً بحجم الصين أمكن الرهان على حصافته وحنكته وواقعيّته عندما شطّ القطيع الكوري خارج الحقل، فتمكّن من إعادته قبل فوات الأوان!

 

إيران عالم آخر.. سقفها إرادة إلهية مُدّعاة! وراعيها مرشد خاص مكتفٍ بيقينيّاته الدينية والقومية! والتاريخ بالنسبة إليه مشروع استعادي راهن وممكن! والاجتهاد بالفتوى مفتوح على انتظار نهاية الغيبة الكبرى في أقصى الحالات، وإعادة إحياء الامبراطورية في أدناها.. وتحت هذا السقف العالي، هناك قوننة ودسترة لأداء خارجي لا صلة له بالأعراف والمواثيق والقوانين المنظّمة للعلاقات بين الدول والشعوب! ولا يلحظ احترام مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين وخصوصياتهم السيادية والسياسية والاجتماعية! ولا يقرّ بالمناسبة، بآليات بناء الأدوار والحيثيات والمنصّات الخارجية «العظمى» من خارج سردية العنف «الثوري» وطقوسه وأدواته وأساليبه و«رسالاته»!

 

والمشكلة الفظيعة هي أن الأحمال ثقيلة والأكتاف ضيّقة وركيكة! ويوماً تلوَ يوم، تكتشف إيران الحدود الفاصلة بين الإمكانات والطموحات! والادعاءات والقدرات! وبهذا المعنى، قد يكون دونالد ترامب، جاء في وقته المناسب بالنسبة إليها كما بالنسبة إلى أخصامها وأعدائها!! وقد يكون السُلَّم الذي ستنزل عبر درجاته، من عالم أوهامها إلى واقعها الفعلي! خصوصاً أنّه شكّل وصنّع بالفعل الصدمَة الأولى المطلوبة بإلحاح لكبح جماح غلوائها ودفعها إلى التبصّر بواقع الأرض وليس الاستمرار في التحليق في سماء الافتراضات والحسابات المستحيلة!

 

لكن قبل تلك الخلاصات، هناك المألوف في الأداء الإيراني.. حيث التوقيت الغلط للقرار الصحّ! وحيث المكابرة الشكلية لتغطية المضمون البائس! وحيث عدم التراجع أو التنازل إلاّ بالقوّة والفرض وأمام الأقوى والأشرس! وحيث الحروب والمواجهات والمعارك ومصائر الدول والأمم والشعوب تُحكم بإرادة شخصية! وتقزَّمُ أسبابها ومواضيعها ولغاتها إلى مستوى «شخص» العدو أو الخصم.. من صدّام حسين إلى دونالد ترامب! وحيث لا يبقى في مخزون التعبئة سوى الشتم والسبّ وسقط الكلام!.. وأيّ كلام؟!